اشترطت الجزائر على الجانب الفرنسي ضرورة بناء علاقة تعاون »بعيدة المدى« تكون الفائدة فيها متبادلة وعلى قدر من المساواة، وهو الأمر الذي ألحّ عليه الوزير الأوّل، عبد المالك سلاّل، الذي أكد على أهمية تكون الشراكة بين البلدين »متنوعة« وأن »تشمل كل قطاعات النشاطات دون استثناء«، ومقابل ذلك التزم ب »تحسين مناخ الأعمال« و»رفع العراقيل التي تحول دون الاستثمار«. أبلغ الوزير الأوّل، عبد المالك سلاّل، كبار المسؤولين ورجال الأعمال الفرنسيين بأولويات الجزائر الاقتصادية على المديين المتوسط والبعيد، مثلما حدّد شروطها بخصوص طبيعة التعاون المأمول، حيث أبرز خلال كلمة ألقاها أمس الأوّل في ملتقى رجال الأعمال للبلدين المنعقد بفندق »شيراطون« بحضور الرئيس فرانسوا هولاند، أن بلادنا تسعى إلى ترقية تنويع اقتصادها بشكل يُمكّن من التقليص التدريجي لتبعيتها الكبيرة للمحروقات التي تشكل 97 بالمائة من الإيرادات من العملة الصعبة و40 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. وتحدّث سلاّل عن أولوية أخرى تتعلق ب »المضي في ديناميكية واسعة من أجل تنويع ومضاعفة الاستثمارات المنتجة للثروة والموفرة لمناصب عمل قارة ودائمة«، وكذا »الرفع من كمية ونوعية العرض المحلي للسلع والخدمات من أجل الاستجابة لاحتياجات نموذج استهلاكي يتم تلبية جزء كبير منه اليوم من الاستيراد«. وعلى حدّ تعبيره فإن »هذا النموذج الاستهلاكي المنتعش« من ارتفاع الأجور والنفقات العمومية المخصّصة للمنشآت »سيكون من الصعب دعمه في حالة تراجع أسعار المحروقات في السوق الدواية«، ولذلك شدّد على أولوية »جعل اقتصادنا في مرحلة لاحقة تنافسيا وقادرا على فرض منتجاته على مستوى الأسواق التنافسية الأجنبية كما هو الأمر بالنسبة لبعض المنتجات الفلاحية وبعض السلع الصناعية«. وعليه أشار رئيس الجهاز التنفيذي إلى أن هذا الانتقال يتطلب تعزيزه ب »الكفاءات البشرية والوسائل المادية والتكنولوجية«، قبل أن يُخاطب المسؤولين الفرنسيين قائلا: »الخبرة الخارجية في مجال التسيير باتت ضرورة ملحة، إذ أن الانتقال إلى اقتصاد سوق ناجع يعد بطبيعته معقدا وصعبا. ويعتبر هذا المجال بالذات من المجالات التي يؤمل أن تبرم فيها شراكة مع فرنسا«، ليُضيف بأن الجزائر »تتوفر على الوسائل المادية والبشرية للنجاح في هذا الانتقال. فهي تتوفر على سوق هامة وامتيازات كبيرة من حيث تكلفة الطاقة و اليد العامل..«. ولتحفيز الجانب الفرنسي أوضح عبد المالك سلال في مداخلته أنه زيادة على »الاستقرار السياسي والاجتماعي الكبير« فإن »الجزائر تتوفر على قدرات اقتصادية ضخمة غير مستغلة بما فيه الكفاية«، لافتا إلى »المنشآت الضخمة« التي تجسّدت في العشرية الأخيرة على غرار الطرقات السريعة، الموانئ، المطارات..، وذكر أن »هذه المنشآت تسمح اليوم بالتطلع إلى استثمارات هامة. وتعتبر الشراكة مع فرنسا بالنسبة لنا إحدى أدوات المرافقة الكفيلة بتجسيد هذا الانتقال من خلال الشركات المختلطة لتطوير الاستثمار والشراكة والمساعدة التقنية والخبرة«. وكان خطاب الوزير الأوّل مباشرا بتحديده نظرة الجزائر للشراكة مع الطرف الفرنسي »يفرض تجسيد هذه الأهداف الإستراتيجية أن يندرج التعاون بين بلدينا على المدى البعيد وأن يكون متنوعا وأن يشمل كل قطاعات النشاطات دون استثناء«، مستدلاّ ببعض »تجارب الشراكة الناجحة« في العديد من المجالات مع مؤسسات فرنسية كبرى منها »ألستوم« والمؤسسة المستقلة لتسيير النقل الباريسي و»مطارات بريس« و»غاز فرنساالسويس« و»توتال« و»سانوفي«. وتابع في ذات السياق بأن »فرنسا تُعاني من أزمة في الطلب في حين أن الجزائر تعاني من عرض غير كاف«، وبرأيه: »هذه الوضعية تتيح فرصا جديدة ومفيدة لكلا اقتصادينا«، وبعد توضيحه أن »الانضمام المقبل للجزائر للمنظمة العالمية للتجارة يجعلنا نُعزّز مطابقة تشريعنا الاقتصادي والتجاري مع المعايير الدولية«، طمأن الفرنسيين بالقول: »نحن نعمل على تحسين مناخ الأعمال من خلال اتخاذ الإجراءات الضرورية الكفيلة برفع العراقيل التي تحول دون الاستثمار أو تُعطّله أو تجعله معقدا« كما »سنسهر على ضمان استمرارية الاستقرار القانوني من أجل تأمين الاستثمارات بشكل أفضل«. وقد غلبت لغة الأرقام على عرض سلاّل الذي قارن فيه الفترة التي كانت عليه الجزائر سنوات الإرهاب وما هي عليه الآن »»مستوى المعيشة عرف تطورا كبيرا حيث يتمتع مواطنونا من قدرة شرائية لم يسبق لها مثيل خلال ال50 سنة الأخيرة«، قبل أن يستدرك: »إلا أن التجارب الأليمة التي مررنا بها خلال العشريتين الأخيرتين تحتم علينا أن نظل يقظين وتحتم أيضا تفادي الوقوع في فخ الرضي عن الذات«، ثم خلص: »إننا على وعي تام بأن الرخاء والبحبوحة المالية التي يتمتع بها بلدنا تعد مكتسبات هشة وأنه من أجل المحافظة عليها وتعزيزها أكثر ينبغي علينا رفع تحديات كبيرة«.