هناك من يكتب رواية ليقول سيرته وسيرة جيله، وهذا ما نجده بالضبط في رواية علاوة حاجي التي ستكون حاضرة في الطبعة القادمة للمعرض الدولي للكتاب، والتي حملت عنوان في روايةٍ أخرى ، رواية علاوة تشبه تفاحة تؤكل دفعة واحدة لحلاوتها، إنها سلطة الفاكهة. وفي رواية أخرى: هناك من يكتب رواية ليقول سيرته كي يغيض جيله ليكتب روايته، وهذا ما نجده في رواية علاوة حاجّي التي تشبه تفاحة تؤكل بالتقسيط حفاظا على حلاوتها، إنها سلطة الفاكهة أيضا. وفي رواية أخرى: هناك من يكتب رواية لا ليقول سيرته أو سيرة جيله، بل ليكتب اللاشيء، وهذا ما نجده في رواية علاوة حاجّي التي تشبه حبة تفاح، لكن في الحلم، موجودة وغير موجودة، إنها سلطة الأحلام المعلقة. يقول علاوة أو راوي علاوة: كنت تتسكع في شارع س، وأنت تحمل بقايا سيجارة في يدك وهوبلة في جيبك. تسكعت طويلا رغم الحرارة والرطوبة، فأنت لا تختلف عن معظم المواطنين الذين يشعرون أن شيئا ما ينقصهم إذا لم يقوموا بهذا الطقس اليومي: الطواف عند هذا الشارع مرة واحدة في اليوم على الأقل. وهذا التفكير المشترك، أو لنقل الاتفاق الجماعي غير المعلن، هو ما يجعله مكتظا طيلة النهار. دعنا نتفق على أن طوافك اليوم، وعلى غير العادة، لم يكن اعتباطيا، إذ كنت تذرع الشارع ذهابا وإيابا، من أعلاه إلى أسفله والعكس، وتقف عند واجهة كل محل، بحثا عن هدية مناسبة، بمناسبة عيد ميلاد سمّونة، خطيبتك التي أضافت اليوم إلى عمرها سنة كاملة. فكرت في العطر، لكنك تذكرت أنك أهديتها شيئا مشابها قبل أيام. فكرت في أن تشتري لها ساعة يدوية صينية، تشبه إلى حد كبير الساعة الأصلية الفاخرة، لكنك خشيت من سوء العاقبة. ولأنك وقفت عند كل المحلات تقريبا، بما فيها محلات الوجبات السريعة، فقد وقفت أيضا أمام هذه المكتبة. وهنا خطرت ببالك فكرة مدهشة: أن تهديها هذا الشيء. هناك سببان وجيهان يجعلانه الاختيار المثالي: أولهما أنه لن يكلفك الكثير، خاصة أنك لم تقبض مرتبك الشهري منذ ثلاثة أشهر، وثانيهما، وهو الأهم، أنه سيكون وسيلة جيدة لمغازلة مبروكة، أمها التي تعمل أستاذة للأدب العربي في الجامعة. لطالما لم تهضم فكرة ارتباط ابنتها بشخص غير متعلّم ولا علاقة له بالأدب والثقافة، فأنت، حسب معلوماتي، لم تكمل دراستك الثانوية. من المؤكد إذن، أن هذه الحركة الذكية ستحمل الدكتورة مبروكة على مراجعة أفكارها عنك. إنها الترجمة الفعلية للمثل القائل: عصفوران بحجر واحد. عند تمام الخامسة، كنت في كافتيريا س، حيث اعتدت لقاء سمّونة. كنت تحمل هذا الشيء وتتلهى بتقليب صفحاته لتمضية الوقت. لعلك كنت تنظر إلى المرأة الشاردة ذات الشعر الأحمر التي على الغلاف، وخيط القهوة المتدفقة من الفنجان، إذ أكاد أجزم أنك لم تقرأ حرفا منه. بعد ربع ساعة أقبل العطر الفاخر الذي تكبدت ثمنه قبل أيام، دونما مناسبة، ثم تبعته سمّونة، وتبعتها الأنظار التي استودعتها كرسيا قبالتك. جميلة كعادتها، لكنها بدت معكرة المزاج. سارعت إلى إخفاء هذا الشيء، وبادرتها ببعض التغزل، قلت لها إنها تبدو أصغر بكثير من عمرها، وسألتها مبتسما إن كانت تنقص بسنة كل سنة. اكتفت بالابتسام. طلبتما فنجاني قهوة. تحدثتما في مواضيعَ كثيرةٍ لربع ساعة أخرى، ثم أخرجته من تحت الطاولة. لا أعرف لما أخذ كل من الكافتيريا ينظرون إليك بدهشة؟ ربما لأنه كبير نوعا ما، ربما. لم تكترث بهم، وأخبرت سمّونة أنه سيكون هدية عيد ميلادها. أتحدّث عن هذا الشيء. من الواضح أن المفاجأة أذهلتها، فقد استرسلت في قهقهة طويلة استغرقت منها ربع ساعة إضافية. أعجبتها الهدية؟ لا. سألتك إن كنت تمزح، وأعلمتك أنها ترفض الهدية جملة وتفصيلا، لعدة أسباب، منها أنها عارية، فجة، دون ذوق أو حس فني، دون غلاف يضفي عليها ميزة ما. سبب آخر، هو أن الهدية تحت سقف كل توقعاتها، فكتاب لا يتعدى ثمنه مائتي دينار حتما لا يصلح لأن يكون هدية لشخص عزيز في مناسبة عزيزة. أكثر من ذلك، يمكن اعتبار الأمر استخفافا وعدم تقدير لمشاعرها. تحججت بأن الهدية لا تقاس بقيمتها المادية، فلم يزدها ذلك إلا إصرارا على الرفض. أضفت أن هذا الشيء تحديدا سيعجب أمها، وقد يحملها على تغيير أفكارها عنك، فنهضت غاضبة، دون أن تأخذ رشفة واحدة من القهوة التي وصلت للتو. قبل أن تغادر، نبهتك إلى أمر مهم: بإمكانك أن تهديه لأمي، فعيد ميلادها، هي الأخرى، سيكون بعد أقل من شهر. حملت معك هذا الشيء ومضيت إلى حال سبيلك. لا أعرف إن أهديت سمّونة شيئا آخر. لا أعرف حتى إن عادت علاقتكما إلى سابق عهدها أم أنها انتهت في تلك الجلسة. لا أعرف ما الذي تعتزم فعله الآن. بما أن هذا الشيء نذير شؤم عليك، فلما لا ترميه من النافذة؟ أو.. أو.. لما لا تفكر في تغليفه وإهدائه للسيدة مبروكة، فبعد خمسة أيام، خمسة أيام فقط، ستضيف إلى عمرها سنة كاملة.