في الآونة الأخيرة، اعتذر الروائي الإسباني الشهير (خوان غويتسولو) عن تقبل جائزة معمر القذافي الأدبية، وقال ما معناه إنه أمضى حياته كلها مدافعا عن حقوق الإنسان المضطهد في كل مكان من هذا العالم. وجاء اعتذاره لطيفا، لا تجريح فيه ولا جعجعة. وله الحق في ذلك. هذه الجائزة التي يرعاها العقيد معمر القذافي يشرف على لجنتها التحكيمية الروائي الليبي الكبير إبراهيم الكوني، ولست أدري لم انصرفت الأنظار كلها إلى خوان غويتسولو لتستقر عليه دفعة واحدة. هذا الروائي جدير بأكبر الجوائز الأدبية لطول باعه في الفن الروائي ونضاله من أجل حقوق الإنسان، ولكن، كان الأجدر بالمشرفين على هذه الجائزة أن ينظروا إلى الأديب العربي في المقام الأول، إذ ما أحوج هذا الأديب إلى من ينظر إليه ويرعاه بعين التقدير. وليس العيب في الجائزة التي تحمل اسم رئيس دولة، ولكن في النظرة التي يلقيها السياسيون في هذا العالم العربي على الأدباء العرب. خوان غويتسولو روائي مناصر للقضايا العربية، ويعيش بين المغرب وإسبانيا وفرنسا، ومضامينه الروائية تعالج العلاقات بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وقد ارتأى أن يرفض الجائزة لأسباب سياسية تخصه بالدرجة الأولى، وأنا شخصيا أقدر وقفته وأتفهمها. لكن، أليس هناك في الأدب العربي الحديث، خاصة في مجال الفن الروائي، من هو جدير بأن ينال مثل هذه الجائزة؟ قليلون هم الأدباء العرب الذين رفضوا الجوائز الأدبية في زمننا هذا، وكثيرون هم الذين في حاجة إليها لأسباب مادية أو لاقتناص الشهرة، وهم في كلتا الحالتين على صواب بالرغم مما يكتنف هذه الجوائز من ألاعيب سياسية وجهوية وشوفينية. المصريون قرروا هذه المرة منح جائزة الرواية العربية للروائي المغربي سالم بنحميش، وهو ولا شك جدير بها، لكن المنصب الذي ارتفى إليه، أي وزارة الثقافة، كان من الواجب أن يستحثه على رفض هذه الجائزة. إذ ليس هناك شك في أن توليه وزارة الثقافة له دخل كبير في منحه هذه الجائزة، وهذا عيب من جانب الذين قرروا تتويجه بها. ولا شك أيضا في أن اللعبة السياسية هي التي لها الكلمة الفصل في هذا الشأن، أيا ما كان البلد الذي توزع فيه الجوائز الأدبية. ومصيبة الأدباء هي أنهم إما يرفضون الجوائز، على حد ما فعله جان بول سارتر حين امتنع عن استلام جائزة نوبل للآداب عام 1965، أو أنهم يمنعون من تسلمها، على حد ما وقع مع بوريس باسترناك حين حال الحكم الشيوعي في موسكو دون ذهابه إلى استوكهولم في عام 1958 بعد نيله جائزة نوبل للآداب. فمن هو المحق في هذ الشأن؟ أهو السياسي الحاكم، أم الأديب، أم هو الفقر المدقع الذي يتخبط فيه كل أديب عربي في وطن شاسع لا يكاد يوجد فيه من يقوى على العيش بقلمه؟