هل تعلمون أن هناك علما جديدا في بلادي أضيف إلى قائمة العلوم التي لا تقل دقة وصعوبة عن التكنولوجيات الدقيقة ألا وهو علم البالوعات.. أجل، في مطلع كل خريف من كل عام يحدث لنا ما يحدث هذه الأيام.. الزخّات الأولى للمطر تغرق أحياء ودشرات نسميها مجازا المدن..تهوي المساكن..تصبح الطرق سيولا..يفيض كل شيء..تنقطع الكهرباء والمياه الشروب..تجرف السيول المركبات..نسجل خسائر كبيرة في الممتلكات والأرواح.. نعدّ خسائرنا وضحايانا..نعلّق السبب في أن الأمطار فجائية ورعدية وأنها غزيرة إذ تتجاوز 40 مليمترا في ساعات قليلة.. العيب ليس فينا بل في المطر أو في السحاب.. في البلاد التي تحتفي بالإنسان وتتقن الإنجاز مثل هذا المطر يزيّن شرفات مدنها ويلبسها ثوبا رومانسيا رائعا.. في تلك البلاد لا تتوقف حركة المرور بسبب الأمطار ولا تتعطل مصالح الناس ولا الخدمات.. أما في بلادنا ودون سواها..يفاجئنا المطر وتفاجئنا السيول والفيضانات.. تفعل الفوضى فينا فعلها..يزدحم الازدحام ونبدو كأمة بلا مؤهلات لتصريف الشأن العام.. في مطلع كل خريف يحدث الذي يحدث لنا.. الفئران تتعلّم بالانعكاس الشرطي على الطريقة البافلوفية، أما نحن فلدينا إصرار عجيب على التخلف لأننا لا نريد أن نتعلم من أخطائنا.. لا حسيب ولا رقيب..الدنيا سائبة ولا أحد يوقف المهزلة.. تعرّى عرينا فينا لم نعد نملك شيئا نستر به عورات البلد وهشاشة هياكله القاعدية.. في الألفية الثالثة لا نزال الجماعات المحلية غير قادرة على تسيير المرفق العام..لا تزال غير قادرة على التحكم في بالوعات الطرق والشوارع بطريقة تقنية صحيحة فلا تنسد بالتراب والقاذورات.. بلديات لا تملك مصالح تقنية مجهّزة كما يجب وبإمكانات تسمح لها بالتدخل قبل وأثناء الأمطار وبعدها.. رؤساء بلديات مشغولون بأشياء أخرى إلاّ خدمة المواطن ورفاهية السكان، وإنجازات تم التلاعب في معاييرها وصرفت الملايير من أجلها لا تصمد أمام الزخّات الأولى لمطر الخريف.. بئس الحال التي وصلنا إليها..في كل مرة نكتفي بمعالجة النتائج وتخفيف الأضرار بدل معالجة الأسباب..وفي كل مرة نعدّ الخسائر والضحايا ونعد المنكوبين بالتعويض والإسكان.. أليس غريبا أننا لم نتعلّم تسيير المدن والحياة الحضرية بطريقة علمية؟ هكذا صارت البالوعات علما استعصى على الفهم وشكل على التحكّم.. أما بعد: متى نصرف عن أنفسنا سوء التسيير والإدارة ولا نضيع في شبر ماء أو انسداد بالوعة؟