باشرت أول أمس وزيرة التربية الوطنية الجديدة السيدة نورية بن غبريط مهامها على رأس القطاع ، وقد استهلتها بندوة وطنية كانت مبرمجة من أيام الوزير السابق عبد اللطيف بابا أحمد، ضمت مسؤوليها المركزيين وباقي المسؤولين الآخرين على مستوى الولايات، وقد تلمّست وبشكل واضح حقيقة التركة الثقيلة من الملفات التي تنتظرها على مكتبها، وتتصدرها مسألة »العتبة«، التي يبدو أن أول خطوة قد حققتها فيها، والعلاقة المرهقة والمعقدة مع النقابات وملفاتها الشائكة، وسائر »تكلّسات« الوظيفة العمومية في التوظيف والإدماج والتصنيف والترقية، إلى جانب الاكتظاظ المدرسي وباقي القضايا التربوية الأخرى. أول ما وجدت نفسها وجها لوجه معه السيدة نورية بن غبريط وعلى السريع هو موضوع الامتحانات الرسمية الثلاث، وما تتطلبه من همّة كبيرة وإجراءات ومستلزمات، ولعل الامتحان الأبرز والأكثر تشابكا وتعقيدا هو امتحان البكالوريا، وحالة التشابك والتعقيد هنا لا تكمن فيما يتطلبه هذا الامتحان من إمكانيات مادية وبشرية، ومستلزمات تنظيمية وأمنية، بل في الحالة الشاذة التي أصبح عليها تلاميذ أقسام البكالوريا، بفعل الإضرابات والانقطاعات المتكررة في تلقين الدروس ولفترات طويلة من جهة، وفي تعجرف ولا مبالاة الوصايات المتعاقبة والسلطات العمومية الأخرى المعنية بما تعاني منه شرائح القطاع، وما هو مرفوع إليها من مطالب وملفات ثقيلة. وقد أصبح هذا الوضع الجامد والأصم حيا يُرزق على مدار كل سنة، وينتهي إلى خلاصة أن التلاميذ قد ضاعت منهم ثلاثة أو أربعة أشهر من الدروس المقررة لتلك السنة، ويأتي في مقدمة هؤلاء سنويا تلاميذ أقسام البكالوريا، ومع اقتراب موعد امتحان كل سنة يبدأ تحرك وتمرّد التلاميذ، وبما فيه التكسير والتخريب، والخروج إلى الشارع أمام أعين أساتذتهم وأوليائهم ومسؤولي مؤسساتهم، وتنزل الوصاية إليهم في الشوارع بقوات الردع والمطاردة، إلى أن يقبلوا بالتفاوض معها على »العتبة المشؤومة«، وتكون هي في كل سنة مطالبة بتطمينهم نظريا عقب هذه المفاوضات، وعلى أن تتولى تجسيد ما التزمت وتعهدت به معهم على أرض الواقع مع قرب نهاية الفترة الأخيرة من تلقين الدروس، وهنا يجد تلميذ البكالوريا نفسه مطالبا على الأكثر بمراجعة ثلثي البرنامج المقرر فقط ، ولا دخل له إطلاقا في دروس الثلاثي الأخير، وإن لم تُلقّن له فالمسألة عادية عند الوصاية والأساتذة وكافة المسؤولين حتّى وإن كانت حاجته لها ماسة وضرورية جدا في تعليمه الجامعي. الوزيرة الجديدة إذن هي وجها لوجه مع هذه العتبة التي رغم أنها تحددت ملامحها، إلا أن مفعولها السلبي ما يزال قائما، إلى أن ينتهي الامتحان، خصوصا إذا وضعنا بعين الاعتبار تلاميذ غرداية الذين ضاعت منهم دروسا مضاعفة بفعل الأحداث الدامية التي عاشوها لأزيد من شهرين. أما الأمر الثاني المؤرق والشائك الذي وجدته الوزيرة الجديدة أمامها، بل وعلى مكتبها، فهو الحالة الهشة، المتلاعب بها منذ سنوات، المتمثلة في جملة من المطالب المهنية الاجتماعية، التي هي على غاية كبيرة من الأهمية لدى أصحابها الأساتذة المُثبّتين، والأساتذة والمعلمين الموصوفين ظُلما واحتقارا من قبل الوظيفة العمومية ب »الآيلين للزوال«، البالغ عددهم أزيد من 100 ألف أستاذ ومعلم، يُضافُ إليهم مفتشو التربية، ومفتشو التغذية المدرسية، ومديرو ونظار الثانويات، ومستشارو التربية، وموظفو المصالح الاقتصادية، والمخبريون والأسلاك المشتركة وأعوان الأمن والوقاية. هؤلاء جميعهم وعلى اختلاف شرائحهم لهم مطالبهم الخاصة، وقد قطعوا من أجلها أشواطا معتبرة من الإضرابات والاحتجاجات والاعتصامات والوقفات المحلية والوطنية، وطالما أن كل شريحة متمسكة بقوة بكل ما تطالب به، فإنه ليس من السهل على الوزيرة الجديدة نورية بن غبريط أن تتمكن من تلبية كل المطالب المعلقة منذ سنوات، خصوصا وأن الجميع أصبح يعي ويعلم أن الوزير بمفرده ومن داخل وزارته ليس في مقدوره أن يفعل الشيء الكثير، ففي كل كبيرة وصغيرة أصبحت عودتُهُ إلى الوظيفة العمومية والوزارة الأولى ووزارات أخرى أمر لا مفرّ منه، وهو ليس حرا في كل ما يقررهُ، لأن صلاحياته بحكم ما هو جار اليوم تتحكم فيها صلاحيات جهات أخرى، وهذا في رأينا ما عقّد الوضع أكثر في قطاع التربية، وأتعب التلاميذ والأساتذة وكافة الشرائح العمالية الأخرى التي هي جميعها وبدون استثناء أصبحت في عدّاد الفقراء، وذوي الحاجة. وزيادة على هذه الملفات الثقيلة والمعقدة، تبقى أمام الوزيرة نورية بن غبريط معضلة الاكتظاظ في الأقسام الدراسية، وسائر المسائل التربوية الأخرى، وما سوف يزيد من متاعبها أكثر هو الفراغات والمناصب الإدارية التنفيذية المُحدثة على مختلف المستويات، وبما فيها المناصب المركزية على مستوى الوزارة نفسها، التي يُفترض أنها تستعين بها في فك »طلاسم« مختلف الأوضاع المستعصية والشاذة.