ليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بزوال حالة التوتر التي تطبع العلاقات بين الجزائر والرباط من فترة طويلة، فالتصريحات الأخيرة التي أطلقها رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران حول ما وصفها ب »الأسباب الحقيقية« لرفض الجزائر إعادة فتح الحدود البرية المغلقة مع المملكة، ستساهم من دون شك في تعميق الشرخ وإضافة المزيد من التباعد بين البلدين، وهي أقرب إلى الشعوذة السياسية منها إلى الدبلوماسية الرزينة والحكيمة التي يفترض أن يتحلى بها مسؤول على الجهاز الحكومي في المملكة، خاصة في هذه الظروف الصعبة وغير المسبوقة التي تمر بها العلاقات بين الجزائر والمغرب. بنكيران استعمل أسلوب فيه الكثير من السخرية والتهكم، وبدلا من السعي إلى إقناع مناضلي حزبه »العدالة والتنمية« ومن ورائهم الشعب المغربي بسياساتهم، ويواجههم بمبررات معقولة تبرر إخفاقات طاقمه الوزاري في تحقيق الحد الأدنى مما وعد به، راح يصرح قائلا بأن السبب الرئيسي لرفض السلطات الجزائرية فتح الحدود مع المغرب يعود، حسب زعمه طبعا، لكون أن » السلطات الجزائرية تخشى أن يكتشف الجزائريون على الجهة الأخرى من حدودهم مغربا مزدهرا و مستقرا خلافا للصورة التي تقدمها السلطة في الجزائر عن المغرب للجزائريين«، وواصل رئيس الحكومة المغربية أكاذيبه يقول حسب ما نقله الموقع الاليكتروني المغربي: ( 360ma ) » أكيد أن السياح الجزائريين سيتساءلون كيف لبلد له ديون إجمالية تقدر ب 600 مليار درهم يعيش أهله أفضل من الجزائر التي تحوز خزينتها العمومية على فائض مالي يقدّر ب 250 مليار دولار«. بطبيعة الحال فإن رئيس الحكومة المغربية الذي يستعمل كعادته أسلوب الدعابة السمجة المغلفة بنفاق أصبح ميزة واضحة عند العديد ممن يسمون بالإسلاميين المعتدلين أو الإخوان، لا يريد الحديث عن الأسباب الحقيقية التي تقف حاجزا أمام إعادة فتح الحدود البرية المغلقة منذ تفجيرات فندق »إسني« بمراكش سنة ,94 وتصريحاته هي محاولة فقط لتلافي الوقوف عند هذه الأسباب التي تدين النظام المغربي وعلى رأسه العرش العلوي، فالعالم أجمع يعرف بأن المغرب هو الذي تسبب في إقفال الحدود لما اتهم ظلما وبهتانا مصالح الأمن الجزائرية بالوقوف وراء الاعتداء الذي تبين فيما بعد أنه كان من تدبير مغاربة يحملون الجنسية الفرنسية، وبدلا من التريث والتحقق سارع النظام المغربي إلى فرض التأشيرة على الجزائريين بعد مطاردات مخزية طالت الجزائريين على أرض المملكة، اعتقادا منه أنه سيزيد في عزلة الجزائر التي كانت تواجه شبه حصار دولي وحرب حقيقية ضد الإرهاب على المستوى الداخلي، وكان ردا الجزائر مناسبا بغلق الحدود والتخلص من وجع الرأس الذي كان يأتي من هذه الحدود. بنكيران وغيره من المغاربة يعرفون جيدا بأن الجزائر لم ترفض يوما إعادة فتح الحدود، لكن اشترطت أن يتم ذلك في إطار رسمي من خلال لجنة وزارية مشتركة تم تنصيبها لهذا الغرض، ووفق إجراءات جدية تبدأ بتفادي الأسباب التي أدت في أول مرة إلى قرار غلق الحدود. وكانت السلطات الجزائرية مجبرة من حين لأخر، لمواجهة الدعاية المسمومة لنظام المخزن، إلى التأكيد على الشروط الواجب توفرها لإعادة فتح الحدود، وعلى رأس هذه الشروط تأمين الحدود لوضع حد لأطنان الحشيش المغربي الذي يدخل الجزائر، فضلا عن التصدي لمختلف عمليات التهريب التي تهدد الاقتصاد الجزائري، إلى جانب باقي الممنوعات على غرار السلاح، فالمغرب لا يقوم بما يتوجب عليه القيام به لتأمين هذه الحدود، ويبدو أحيانا متواطئا مع المهربين وحتى مع المجموعات الإرهابية التي كانت في فترة من الفترات تهرب إلى التراب المغربي بعد تنفيذ اعتداءاتها في الجزائر. ثم إنه ليس من المنطقي أن يطالب المغرب بإعادة فتح الحدود باعتباره إجراء يندرج ضمن تطبيع العلاقات الثنائية، ويواصل من جانب أخر في سياساته العدوانية من خلال توظيف وسائطه السياسية والجمعوية للتهجم على الجزائر والتجرؤ حتى على سلامة أراضيها من خلال إحياء عقلية توسعية قديمة كما جاء على لسان رئيس حزب الاستقلال المغربي حميد شباط الذي ادعى بأن أجزاء من التراب الجزائري، مشيرا صراحة إلى حاسي البيضة وكل منطقة بشار وتندوف وكامل إقليم تواب، هي »أراضي مغربية«، علما أن حمالات الإساءة لم تتوقف خاصة منذ من تصريحات العاهل المغربي المتكررة التي يتهم فيها الجزائر بأنها طرف في النزاع في الصحراء الغربية وأنها تشكل تهديدا لكامل المنطقة إلى حادثة الاعتداء على القنصلية الجزائرية بالدار البيضاء المغربية وتمزيق الراية الوطنية. وحتى بعد هذه الأحداث المأساوية واصل النظام المغربي نفس هذه السياسية، وتصريحات بنكيران هي في الواقع تعبير حقيقي عن مسلسل الدعاية المغربية المسيئة التي تستهدف الجزائر في محاولة من النظام المغربي لإلهاء المغاربة عن مآسيهم وعن سبتة ومليلية وكل الأراضي المغربية المحتلة من قبل الاسبان وعن سياسات التخدير التي يمارسها النظام المغربي ضد شعبه. والسؤال الذي يطرح على بنكيران هو عن أي تطور وتنمية يتحدث، هل أطنان المخدرات التي تنتجها أرياف المغرب تنمية وهل السياحة الجنسية تعتبر تنمية، وأين هو هذا الرخاء الذي يخاف المسؤولون في الجزائر، على حد زعمه، من أن يبهر الجزائريين، فهل البلد الغارق في الديون يبهر من يعيش في بحبوحة مالية، وهل من يتقشف في توزيع »الحريرة« على شعبه يمكن أن يشكل نموذجا لشعب جار توزع عليه السكنات مجانا.