في حديث أجرته قناة الحياة المصرية، التابعة للقطاع الخاص، مع ابنة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، بمناسبة ذكرى حرب 6 أكتوبر 1973، قالت السيدة كاميليا السادات أن والدها أخبرها بأن الفضل في الانتصار الذي حققته مصر في حرب أكتوبر يعود لرجلين أثنين هما الملك فيصل والرئيس هواري بومدين. ابنة أنور السادات تحدثت مطولا عن دور بومدين في هذه الحرب وكيف أنه اتصل بالسادات مع بدايتها ليقول له أنه يضع كل إمكانيات الجزائر تحت تصرف القيادة المصرية ويطلب منه أن يخبره حالا باحتياجات مصر من الرجال والسلاح، وتذكر كيف أن الرئيس السادات قال لبومدين أن الجيش المصري في حاجة إلى المزيد من الدبابات وأن السوفييت يرفضون تزويده بها، وهو ما جعل بومدين، تقول السيدة المصرية، يطير في الحين إلى الاتحاد السوفييتي ويبذل كل ما في وسعه، بما في ذلك فتح حساب بنكي بالدولار، لإقناع السوفييت بالتعجيل بإرسال السلاح إلى الجيشين المصري والسوري، وأن بومدين لم يغادر الاتحاد السوفييتي حتى تأكد من أن الشحنات الأولى من الدبابات قد توجهت فعلا إلى مصر. لعلها المرة الأولى التي تتحدث فيها شخصية مصرية، وفي وسيلة إعلام مصرية، عن دور بومدين ومن ورائه كل الجزائر في حرب أكتوبر. لقد صدرت، في مصر، مئات الكتب والأفلام والأشرطة عن حرب أكتوبر، وإذا استثنينا كتاب سعد الدين الشاذلي المعنون بحرب أكتوبر والذي يذكر فيه بالأرقام ما قدمته الدول العربية ومنها الجزائر لمصر أثناء حربها فأن كل المؤلفات الأخرى تجاهلت الدور الجزائري في هذه الحرب أو مرت عليه مر الكرام. دور الجزائر في حرب أكتوبر كان إذن أساسيا ولقد سبق للدكتور محي الدين عميمور أن تحدث في بعض مقالاته وفي كتاب ألفه عن تجربته مع بومدين عن دور الرجل في تلك الحرب التي عاشها بكل جوارحه بل وكأنه يخوضها فعلا في الميدان إلى جانب الجندي المصري. مفاوضات بومدين مع القيادة السوفييتية من أجل الحصول على السلاح لمصر لم تكن سهلة ولا هادئة رغم استعداده ليدفع »كاش« وبالدولار كل قطعة سلاح توجه إلى أرض المعركة، ويقول الذين حضروا هذه المفاوضات أن بومدين هدد القيادة السوفييتية قائلا إن رفضتم بيعنا السلاح فسأعود إلى بلدي وسأوجه خطابا للرأي العام العربي أقول فيه بأن السوفييت يرفضون الوقوف إلى جانب الحق العربي وأنهم رفضوا بيعنا السلاح في وقت تخوض فيه الجيوش العربية حربها المصيرية ضد العدوان الإسرائيلي المدعم من طرف الامبريالية الأمريكية ويبدو أن هذا التهديد الجاد والصارم هو الذي جعل القيادة السوفييتية ترضخ وتستجيب لكل طلبات بومدين. جميل جدا أن يتم الحديث عن دور الرجال الذين كانت لهم الشجاعة لاتخاذ المواقف الصحيحة من الصراع العربي الإسرائيلي لكن المؤسف حقا هو التجاهل التام والتضليل الكامل الذي تمارسه مصر إزاء أعظم قائد عسكري لها خلال الأزمنة الحديثة. أن ما لم يقله السادات لابنته هو أن الفضل في انتصار مصر في حرب أكتوبر لا يعود لرجلين اثنين فقط بل لثلاثة رجال. السادات تجاهل، عن قصد، دور الرجل الثالث الذي درب وخطط وقاد المليون عسكري مصري إلى النصر. إنه الفريق المصري سعد الدين الشاذلي. سعد الدين الشاذلي هو، كما يقول أساتذة اللغة العربية، فلتة من فلتات هذا الزمن. ضابط على قدر كبير من الأخلاق ومن الكفاءة العسكرية والفكرية، بمعنى أنه يتوفر على كل شروط القائد العسكري الحقيقي، فالكفاءة العسكرية بدون أخلاق وبدون ثقافة وفكر قد تتحول إلى مجرد إرهاب يمارس على كل من يخالفون القائد في الرأي أو في أسلوب القيادة. كما أن الأخلاق والمستوى الثقافي والفكري هي صفات لا تكفي للقيادة العسكرية إن لم تتوفر الكفاءة الفنية وبعد النظر الاستراتيجي. لما عين الفريق سعد الدين الشاذلي رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية في شهر ماي 1971، لم يكن الجيش المصري مهيأ ولا محضرا للقيام بحرب ضد الجيش الإسرائيلي بل أن كل المعطيات وقتها كانت تؤكد بأن أي محاولة من طرف مصر للدخول في حرب ضد إسرائيل تعد عملية انتحارية. الجيش المصري كان لا زال يضمد جراح الهزيمة النكراء التي لحقت به في حرب جوان 1967 – جاءت بعد هزيمتين سابقتين أمام نفس الجيش الإسرائيلي- ومعنويات الجندي المصري كانت في الحضيض، وهنا لا بد أن نفتح قوسا للتأكيد على أن المقاتل المصري لم يكن أقل شجاعة ولا اقل تحمسا للقتال في حرب 1967 من المقاتل الإسرائيلي لكنه انهزم بسبب سوء القيادة. ما كتب عن هذه الحرب وما كشف من أسرار حولها يؤكد بأنه في الوقت الذي كان قادة الجيش الإسرائيلي يسهرون على تدريب جنودهم ووضع الخطط القتالية والتحضير الجدي للحرب فأن المشير عامر القائد الأعلى للجيش المصري ومعظم مساعديه كانوا يقضون لياليهم في المراقص والكاباريهات وأن التعيينات والترقيات في الجيش المصري لم تكن تتم وفق معطيات الكفاءة والأخلاق العسكرية العالية بل وفق الولاء الشخصي والجهوي والمصلحي. التقارير التي تنشر من حين لآخر حول هذه الحرب تقول بأن الفساد في الجيش المصري بلغ ذروته في هذه الفترة وأن المخابرات الإسرائيلية تمكنت من اختراق القوات المسلحة المصرية على أكثر من صعيد، وبالتالي فالهزيمة لم تكن سوى نتيجة حتمية للوضع الذي كان سائدا على مستوى القيادة العسكرية. اللواء سعد الدين الشاذلي، الآتي من القوات الخاصة، كان معروفا بكفاءته وانضباطه وطاقته وديناميكيته وكذلك بأخلاقه العالية، لذلك فبمجرد تعيينه على رأس الأركان وضع ضمن خطته ثلاثة أهداف رئيسية كان لابد من تحقيقها وهي: ضمان مستوى عال من التدريب لكل أفراد الجيش بمختلف رتبهم، إقامة علاقة اتصال دائمة بين القيادة وأفراد القوات المسلحة على مختلف مستويات القيادة وأخيرا غرس المثل العليا في نفوس الضباط والجنود؛ بتحقيقه لهذه الأهداف الثلاثة تمكن الفريق سعد الدين الشاذلي من قيادة الجيش المصري في ملحمة قتالية رائعة مكنته من الانتصار على الجيش الإسرائيلي الذي كانت الصحافة الغربية تقول عنه أنه الجيش الذي لا يهزم. الحديث عن حرب أكتوبر لا ينتهي ويتطلب الآلاف من الصفحات ولم يكن هدفنا، في هذا الزوم، التعرض للحرب وكيف تمت بل للحديث عن الرجال الذين كان لهم الدور الأساسي في الحرب والذين تجاهلتهم مصر الرسمية والشعبية. سعد الدين الشاذلي، بطل حرب أكتوبر، الذي وصفته الصحافة العربية والغربية وقتها برومل العرب، انتهى به الأمر إلى الإبعاد من القوات المصرية بعد انتهاء الحرب مباشرة، ثم النفي حيث عاش عدة سنوات بالجزائر منفيا ومطلوبا من طرف العدالة المصرية بتهمة »نشر أسرار«، ثم محبوسا بمصر حيث حكم عليه القضاء المصري بالسجن لمدة سنتين، ثم لا أحد في مصر يتجرأ، أثناء الاحتفالات السنوية التي تقام بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر، ويذكر اسمه ... وحتى متحف القوات المصرية الذي خصص جناحا طويلا عريضا لهذه الحرب، يتجاهل تماما دور هذا البطل المصري الذي أدخل الرعب في نفوس الإسرائيليين.. هكذا إذن، فحتى الأشقاء في مصر يطبقون نفس القاعدة التي تحدث عنها الأمير خالد الجزائري في بداية القرن الماضي حين قال بأن الجزائريين يخصون فحولهم.. يبدو أن الأمة العربية في الخصي سواء.