بمبادرة من الجمعية الخلدونية للأبحاث والدراسات التاريخية لولاية بسكرة، وبإشراف مديرية الثقافة وبالتنسيق مع دار الثقافة أحمد رضا حوحو وبحضور نخبة من المثقفين والفنانين والأدباء والإعلاميين، احتضنت قاعة الفكر والأدب مؤخرا فعاليات حفل تكريم الأديب الروائي محمد الكامل بن زيد رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين فرع ولاية بسكرة . وقد برمجت الهيئة المنظمة أربع مداخلات لكل من : الدكتور بحري محمد الأمين ، الأستاذ علي دغمان، الأستاذ فوزي مصمودي ، الأستاذ عبد الله لالي ، إلى جانب مداخلات للسيد عبد المالك عتيق حمود رئيس الجمعية والسيد أحمد مودع مدير الثقافة والقاص و الفنان التشكيلي عبد الحميد الغرباوي من المغرب الشقيق الذي قرأها نيابة عنه مدير الجلسة الدكتور سليم كرام، إلى جانب شهادات من قبل بعض المثقفين، على غرار السادة عبد الحليم صيد، عبد القادر صيد، عبد الحميد زكيري، شكري شرف الدين، محمد علوي .. لتختتم بكلمة لرئيس المجلس الشعبي البلدي ببسكرة السيد عزالدين سليماني الذي أكد على استعداد البلدية لتثمين و دعم مختلف الأنشطة و الفعاليات التي يقوم به اتحاد الكتّاب ببسكرة و مختلف الجمعيات الفاعلة. وقد جاء هذا الحفل بمناسبة إصدار الجمعية لأعماله غير كاملة » الأعمال القصصية«الذين يأكلون الخبز ويمشون في الشوارع وقد ألقيتُ بالمناسبة مداخلة تناولتُ من خلالها الجانب الإعلامي في مسيرة المحتفى به ، إرتأيتُ أن أنشرها ضمن هذا المنبر الإعلامي المتميز: منذ أن داعب يراعُه الكلمة وعمره لم يتعد الخمسة عشر عاما من خلال محاولاته الشعرية الأولى ( ليلة رحيل ، أيا وطني ..) وبعض خواطره وقصصه القصيرة ، اتجه محمد الكامل بن زيد صوب الصحافة المكتوبة باعتبارها الوسيلة الأنجع في تلك الفترة التي من شأنها إيصال صوته وإبراز اسمه وتثبيت شخصيته الحالمة ، فكان القسم الأدبي بيومية »المساء« التي كان ولا زال يشرف عليها الأديب المبدع الطاهر يحياوي الذي أستطيع أن أؤكّد أنه أكتشف المحتفى به ، وأول من احتضن إبداعاته الأدبية التي جادت بها قريحته في سن المراهقة ، ونَشَر له خلال 1988 و 1989 يوم كان على مقاعد الدراسة الثانوية . وأثناء دراسته الجامعية لم تنقطع جذوة الكتابة في الصحافة لدى المبدع محمد الكامل ، لكن المميز في هذه المحطة توجّهه إلى الصحافة الرياضية ليلامس اختصاصه يوم كان طالبا بكلية التربية البدنية بدالى إبراهيم بالجزائر العاصمة ، من خلال أسبوعية » السبيل« التي كانت تصدر بقسنطينة ، وكم قرأنا له مقالات وحوارات رياضية بهذه الجريدة. وقبل تخرّجه في الجامعة عام 1997 استمرت علاقة محمد الكامل بالصحافة وأضحى مراسلا ثقافيا لدى جريدة » المساء « من بسكرة عام 1995 ، ثم بجريدة »الشعب « عام 1997 ، ينشر الروبورتاجات الإعلامية والحوارات الأدبية والمقالات الثقافية ... وما شدّ انتباهي أن المحتفى به لم يتسلّم دينارا واحدا نظير خدماته الإعلامية العديدة ، رغم الصعوبات التي كانت تعترض طريق » المراسل الصحفي « في تلك الفترة ، خاصة المراسل محمد الكامل الذي لم يكن له مكتب ثابت ولا وسائل المراسلة كالهاتف والفاكس ، لأن همّه الأكبر لم يكن الجانب المادي ، بل كان الكتابة والنشر ومداومة الاتصال بعالم الثقافة والأدب والفكر والتواصل مع رجال الإعلام والمبدعين والقرّاء . وعلى غرار أغلب الإعلاميين الذين لا يلبثون في منبر إعلامي واحد فقد شدّ الرّحال هذه المرة إلى يومية» صوت الأحرار«التي يشرف على إدارتها الصحفي والكاتب القدير الصّديق محمد النّذير بولقرون ، وقد استقبله رئيس تحريرها آنذاك الأديب عمر عاشور » ابن الزيبان «واحتفى به كقلم فيّاض وكاتب من طراز جيد ، فنشر في » صوت الأحرار « مجموعة من التغطيات الصحفية الثقافية والحوارات مع نخبة من المبدعين ، إضافة إلى بعض إبداعاته القصصية ، كروايته » قصر الحيران « التي نُشرت في حلقات متسلسلة في ذات الجريدة ، كما نشر في جريدة » اليوم«. وكم كان والده وسنده السيد علي بن زيد رحمه الله يزهو كلما نُشر اسم ابنه في إحدى الصحف ، ومن شدة شغفه بذلك فقد كان لا يكتفي بقصاصة المادة الإعلامية لإبنه ، بل كان يحتفظ بالجريدة كاملة في مكان لا تصل إليه يد أحد ، وكم كانت والدته أطال الله في عمرها تبتهج كذلك كلما أخبرها والده أن ابنهما محمد الكامل نشرت له الصحافة شيئا. وفي نهاية القرن الماضي وبالتحديد خلال عام 1998 أسّس محمد الكامل مع نخبة من الشباب والمثقفين اليافعين جمعية اتصال للمواهب الشبانية ببسكرة ، وجعلوه على رأسها و كان لي شرف أن أكون أحد مؤسّسيها ، واتخذ لها مقرا بدار الشباب ميدة عبد الله بسطر الملوك ببسكرة ، و كانت جنبا إلى جانب مع الجمعية الخلدونية للأبحاث و الدراسات التاريخية التي كنت أرأسها و هذا قبل ننتقل إلى مقرنا الجديد بدار الثقافة أحمد رضا حوحو ببسكرة . ولأنّ بن زيد كان يدرك أهمية الإعلام ودوره في حياة الإنسان فقد اختار لجمعيته اسم »اتصال« ونتيجة لهوسه الإعلامي كذلك وحتى يكون هناك تواصل حقيقي بين المبدعين والشباب والمثقفين والمنخرطين في جمعيته، وإيصال صوتهم إلى المسؤولين المحليين فقد بادر إلى إصدار مجلة شهرية اجتماعية ، ثقافية ، رياضية ، أطلق عليها اسم » جيل 2000 « رغم تحفظي آنذاك على هذا العنوان الآني الذي يرتبط بفترة زمنية معينة ولا يحمل عوامل الديمومة. وقد استقر طاقم المجلة حسب العدد الثالث لشهري جويلية وأوت 1999 على النحو التالي والده علي بن زيد » المدير العام «، محمد الكامل بن زيد » مسؤول النشر - رئيس التحرير« ، بوفاتح توبة » المدير التجاري « ، فوزي مصمودي » المستشار الإعلامي « ، بلحسن مصطفى كمال ونور الدين لحرش » نائبا رئيس التحرير« أما هيئة التحرير فقد كانت تتشكل من السادة : عبد الرفيع شنوف ، لوام وسيلة ، علاء الدين دبابش . فيما تحمّل محمد الكامل الإخراج الفنّي للمجلة رفقة مصطفى كمال بلحسن وعلاء الدين دبابش ... كما أنجز لهم بطاقات راقية ، وانطلق الأديب الشاب محمد الكامل ليخوض أول تجربة له لإدارة مجلة ، مستلهما من أفكار والده وتجربته في الحياة ومن عمله في مجال الطباعة ، ومن افتتاحية العدد الثاني الصادر في جوان 1999 والتي اختار لها والده عنوان » أنا لا أعترف بالمستحيل .. نعم هناك الصعب ؟ ! « والتي ختمها بحكمة لدليلة بوعزيز من طولقة : » سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري ، وأصبر حتى يحكم الله في أمري ، وأصبر حتى يعلم الصبر أنّي ، صبرتُ على شيء أمرّ من الصبر « وربما تعمّد والده نشر هذه الحكمة ليوجهها بالدرجة الأولى إلى ابنه الذي بدأ يشق طريقه في ميدان الإعلام والطباعة ويشد عضده. وقد استطاع رئيس التحرير محمد الكامل أن يستكتب العديد من الأقلام الثقافية والأدبية والرياضية والاجتماعية من داخل بسكرة ومن خارجها ، وحتى من خارج الجزائر بالرغم من حداثة سنّه وقلة تجربته ، لكن إيمانه برسالته ونشاطه الدؤوب وإقدامه اللامتناهي جعله يتخطى الصعاب ويتحدى العراقيل ولا يؤمن بالمستحيل. ومن خلال العدد الثالث من جيل 2000 فقد وجدنا مقالات عديدة لصاحب المجلة، من مقالات وتغطيات كما نشر قصته القصيرة» صديقي مامبا « التي فاز بها بالجائزة الثانية في مسابقة أدب الطفل الإفريقي التي نظمت من قبل وزارة الثقافة عام 1999 ، وكذا افتتاحية العدد التي خطها والده، وأخرى لفوزي مصمودي، هشام ديمي، زوزو عبد الله، بسام الطاهر، عبد الحليم صيد، حسان بلعبيدي، الهادي فاتح، عبد المالك صيد، جودي كنزة، جديدي ماجد، رايس منير، عز الدين حجوري »المستشار الرياضي«. كما استقطب أقلاما أخرى من خارج بسكرة على غرار أحمد . م من البويرة ونور الدين لحرش من جيجل ، وقلم من سوريا الجريحة هو الأديب الكاتب محمد كرزون صديقنا وصديق القاص سعد السعود شخّاب. وإذا عدنا إلى العدد الثاني الصادر في شهر جوان 1999 وجدنا أقلاما أخرى وشحت هذا العدد بباقة من المقالات والإبداعات ، كعلاوة حمدي ، فطيمة سايب، سعد السعود شخاب، ميمي سمير، ومان . و، اليمامة الحزينة ، الحوراء ، شنوف عبد الرفيع. و حتى لا تكون مجلته »جيل 2000 « فاترة وذات مادة إعلامية عشوائية، فقد استحدث لها زوايا قارّة من مثل: آراء شبانية، واقعنا المعاش، معالم على الطريق، عالم الثقافة، مرايا القلم» الذي كان فضاء لنشر الإبداعات الأدبية باللغتين العربية والفرنسية«، العالم دنيا، كوكب الفن، عالم الرياضة، الطبيب في منزلك، مرايا أنثى، تسلية .. والملاحظ أن هذه الأبواب كانت تُعالج بأسلوب راق دل على أن أصحابها سيكون لهم شان في عالم الكتابة لولا وأد مشروعهم الإعلامي الحالم وهو في مهده وذكّرتنا بالأبواب التي تعتمدها كبريات المجلات العربية على غرار : العربي، الفيصل، الأمة، الدوحة، الجيل، الهلال ... كما فتح المجال للأطفال، وجعل لهم بابا ثابتا عنونه ب »أحلام العصافير« كتب فيه كل من التلميذ رحمون محمد، التلميذ عبد الخليل رواغة، التلميذ بوستة. ح، إضافة إلى نشره مجموعة من صور البراعم، وصفحات للخدمات والإعلانات والتسلية. وما يميز هذه المجلة أن رئيس تحريرها كان يحرّر أغلب فصولها ومادتها الإعلامية بنسبة تقارب 40بالمائة، سواء وقّع ذلك باسمه أم لا. كما كان يقوم بعملية التصفيف والتوظيب وملازمة جهاز الإعلام الآلي بنفسه رفقة الشابين مصطفى بن لحسن وبوفاتح توبة، حتى الانتهاء من الإعداد النهائي للمجلة والإشراف على طباعتها، ثم توزيع نسخها باليد ! معتمدا طريقة الاشتراكات المسبقة حتى يضمن صدور بقية الأعداد . وفي هذا الإطار وشهادة منّي، أن الأديب محمد الكامل وفي إطار جهاده الإعلامي وإصراره الفولاذي على مواصلة إصدار مجلته، أذكر أنه كان عاملا متعاقدا لدى شركة للتأمين بطولقة، وكان يتقاضى مبلغ » 00,11000 دج « عام ,1999 فبالإضافة إلى مصاريف تنقله اليومي ، كان يذهب بهذا المال وراتبه المتواضع إلى » باتنة « ليطبع غلاف مجلته، لأنه لم يتلق الدّعم المادي من الجهات المعنية حتى يغطي مصاريف الانجاز والطباعة، رغم أنه حاول تأسيس مكاتب للمجلة في عدة ولايات وردت أسماؤها في العدد الثاني من جيل 2000 كالبويرة وسطيف وعين الدفلة. ولذلك وقبل صدور العدد الرابع الذي ودّعت فيه مجلة » جيل 2000 « قراءها وإلى الأبد ، كتب محمد الكامل اعتذارا لقرائه وبثّ من خلاله همومه وما يكابده وطاقمه من مشقة » نظرا لظروف العمل الشاقة ونظرا لكوننا في أول الطريق .. خطواتنا لا تزال كخطوات الصبي الذي بدأ يتعلم المشي لأول مرة في حياته .. ارتأينا أن يكون هذا العدد شاملا لشهري جويلية وأوت 1999 حتى يسهل علينا تثبيت القطار في مساره الصحيح ...« إلى أن يقول وهو يوجه نداءً للقراء بعدما أغلقت في وجهه الكثير من الأبواب التي كان ينتظر منها الدعم :» قراءنا .. كونوا في الموعد معنا دوما .. فمجلتنا .. تشترى شهريا وتقرأ يوميا .. ودمتم لنا قراءَ أوفياء« وبعد العدد الرابع الذي صدر في حلة قشيبة خلافا للأعداد: الأول والثاني والثالث، رحلت مجلة» جيل 2000 « عن الساحة الثقافية وتأسف عليها المبدعون والمثقفون والشباب. لم يستسلم محمد الكامل بن زيد بل واصل مشواره الإعلامي ، حيث وبعد اختياره رئيسا لاتحاد الكتّاب الجزائريين فرع ولاية بسكرة في 20 أفريل 2013 ، وبالإضافة إلى الكم الهائل من الإصدارات الأدبية والفكرية والتاريخية والإبداعية التي أشرف على إصدارها بدار علي بن زيد للطباعة و النشر ببسكرة بالتنسيق مع مديرية الثقافة فقد أصدر العدد الأول » التجريبي « من مجلة » رؤى ثقافية « خلال شهر جويلية 2013 ، الذي ضم مجموعة من المقالات و النصوص الأدبية لنخبة من الكتّاب والمبدعين، وحاليا هو عاكف رفقة أعضاء الفرع على التحضير لإصدار العدد الثاني. وبموازاة اهتمامه بالصحافة الثقافية المطبوعة، ونتيجة للثورة الإعلامية المذهلة التي يشهدها العالم اليوم وجدنا محمد الكامل يواكب هذه الحركة الإعلامية ويتخذ من وسائط التواصل الاجتماعي والمنابر الثقافية الالكترونية فضاءً رحبا لمختلف إبداعاته الأدبية وأنشطته ومشاركاته الثقافية ، بعد أن تراجع الأداء الإعلامي للصحافة الثقافية الكلاسيكية.