ما من شك أن الجزائر أحوج ما تكون اليوم وفي هذه المرحلة المتسمة بالكثير من التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وبالعديد من الضغوطات الخارجية، إلى كل أبنائها من أجل التصدي ومواجهة أي احتمالات قد تهدد أمنها واستقرارها وسيادتها ووحدتها الوطنية. إن كل المخاطر المحدقة بالجزائر من كل الجهات وحدودها المعرضة للتهديد بسبب الأوضاع التي تشهدها بلدان الجوار من الشرق والجنوب، وحتى من الغرب، تجعل من الضرورة، بل ومن الحتمي أن تكون الجبهة الوطنية أكثر تماسكا وانسجاما وأكثر قوة من أي وقت مضى، ذلك أن الحفاظ على اللحمة الوطنية وتعزيزها يتعين أن يكون أولوية الأولويات في هكذا ظروف تمر بها البلاد على كافة الأصعدة والمستويات. الضغوط التي تتعرض لها الجزائر داخليا وخارجيا جراء مواقفها المبدئية الرافضة للتواجد الأجنبي على أراضيها والمعارضة لأي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية وشؤون بلدان الجوار، خاصة في الجارة ليبيا، جعلها محط أنظار القوى الدولية العظمى وفي عين إعصار سياساتها الرامية إلى بسط نفوذها وهيمنتها على مقدرات الشعوب ومصائرها تحت شعارات براقة، كالدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية وحماية الأقليات وغيرها من الذرائع والمبررات التي ما أنزل الله بها من سلطان. إن احتمالات تدخل عسكري وشيك في ليبيا ومحاولات إفشال الحوار بين أطراف المعادلة السياسية والمليشيات المسلحة من جهة، وكذلك محاولات عرقلة الحوار الجاري بين الماليين، وبوادر إشعال الوضع الأمني بالجزائر. كلها عوامل تضغط علينا جميعا... شعبا وسلطة ومعارضة، الأمر الذي يدعو إلى تقوية وتعزيز الجبهة الوطنية الداخلية لنكون في مستوى تحديات المرحلة ورهاناتها، التي يجب أن لا يكون فيها أي مجال أو فرضية للإخفاق أو الفشل أبدا، لأنه من غير الممكن أن نكون قادرين على التصدي والمواجهة في ظل وجود جبهة داخلية ضعيفة أو هشة. انطلاقا من كل هذه المعطيات يفترض أن تتجاوز الجميع الجدالات التي لا طائل من ورائها سوى إضعاف قدراتنا وطاقاتنا، وتعملا معا على تخطي الخلافات والاختلافات، الحقيقية منها والمصطنعة، والتوجه بوعي كامل لأخطار المرحلة وتهديداتها الجدية على بلادنا، نحو التأسيس لتوافق وطني سياسي، إن لم نقل إجماعا وطنيا، حول أمهات القضايا الجوهرية المرتبطة بمصير ومستقبل الجزائر، والنأي بالبلاد عن كل ما تتعرض له بلدان ما يسمى الربيع العربي الدموي المدمر. حقيقة إن تقوقع المعارضة الجزائرية بمختلف أطيافها على نفسها والتمترس في مواقفها المفتقدة لبدائل واقعية، وتموقع السلطة في سياستها المتشددة تجاه تلك المعارضة، من شأنه أن يؤجل التقارب ويباعد بين المواقف، في حين أن عوامل كثيرة ضاغطة قد لا تحتمل المزيد من زالستاتيكوس القائم، بقدر ما تقتضي الظروف الداخلية وتلك المحيطة بنا التعجيل والإسراع في إقامة جدار وطني واق، يجنب الجزائر الانزلاق فيما لا تحمد عقباه. إن الأوان قد حان لتليين المواقف والذهاب إلى حد التنازل من هذا الطرف أو ذاك، لإنجاز ما نسميه التوافق، إن لم نقل الإجماع الذي يسمو بالمصلحة العليا للوطن والمواطن فوق كل اعتبار آخر. تحقيق هذه الغاية إن كان يبدو غير سهل، فإنه ليس بالمستحيل، إذا ما تحلت الطبقة السياسية، سلطة ومعارضة، بالإرادة الجادة والقوية لتفويت الفرصة على الأعداء والمتربصين بالجزائر، وتجربتها المتميزة في الحفاظ على قوتها ووحدتها وسيادتها والمتفردة في مواقفها المدافعة عن السلم والأمن، والمصممة بكل عزم وحسم على محاربة الإرهاب المتأتي من الداخل أو من الخارج.