لم تُخف أحزاب المعارضة تخوفها من رمي الخارج ثقله في الرئاسيات المقبلة، بعد الإنزال الوزاري الفرنسي إلى الجزائر وافتكاكه العديد من الاتفاقيات والصفقات، خصوصا أن باريس ظلت دوما لاعبا مؤثرا في معادلة الحكم في الجزائر. في المقابل، تقوم السلطة، منذ عدة أشهر، بإشهار لشركائها في الخارج، ورقة الأمن بالحدود المشتعلة وأهمية دور الجزائر في تصدير “الاستقرار” إلى دول الجوار في مسعى لكسب ورقة “الاستمرار”. وترسم هذه الأجواء والمعادلات التي تسبق موعد الرئاسيات المقبلة، حدود اللعبة الانتخابية بين “الفتح” و”الغلق” تبعا لما يتم صنعه من موازين قوى، فيها الضرب تحت الحزام وقوة المال والمصالح أكثر من نوعية الأسماء والأشخاص والبرامج. تعلم أن واشنطن وباريس تتابعان الوضع عن قرب السلطة تستعمل الأمن على الحدود المشتعلة لكسب التزكية تعلم السلطة في الجزائر أن الغرب، خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية، يولي أهمية استثنائية لقضايا الأمن خارج حدود بلدانه، عندما تكون مرتبطة بأمنه الداخلي. وعلى هذا الصعيد، تبدي انشغالها وقلقها من الأوضاع المضطربة على الحدود مع ماليوتونس وليبيا، لكسب التأييد الغربي. يعوّل “النظام البوتفليقي” لتحقيق رغبة الاستمرار في الحكم بعد انتخابات الرئاسة في الربيع المقبل، على تزكية القوى الدولية الكبيرة المهتمة بما يجري في جوار الجزائر من أحداث أمنية متصلة بأمن هذه القوى داخليا، وبمصالحها في الخارج، ويتضح ذلك جليا في محادثات المسؤولين الجزائريين مع المسؤولين الغربيين الذين زاروا الجزائر في المدة الأخيرة. فالملف الأمني والتحديات على الحدود طاغية على كل الملفات الأخرى، ضمن ما يجري مناقشته مع الأجانب، بما يؤكد أن الجزائريين لا يتحكمون إلا في ورقتين استراتيجيتين، هما محاربة الإرهاب وإنتاج وتصدير النفط. ولذلك، فالقوى العظمى عندما تريد توزيع حسن السيرة والسلوك للدول المتخلفة، لا تذكر الجزائر إلا في قضايا محاربة الإرهاب، فتصفها ب”الشريك الأمني صاحب التجربة الطويلة في محاربة التطرف المسلح”، فيما تصنفها دائما في ذيل الترتيبات العالمية في البحث العلمي والجامعة والتعليم وحقوق الإنسان، وخدمات الصحة وحرية التعبير ورفاهية العيش. وليس خافيا على أحد أن الأوضاع المضطربة في تونسومالي وخاصة في ليبيا، يستغلها النظام في الجزائر لإطالة عمره. فهي تخدمه بالدرجة الأولى، ويمارس التخويف منها بحجة أن الجزائر “كواحة أمن في صحراء عاصفة” لا ينبغي أن يتزعزع الاستقرار الذي تنعم به وإلا انزلقت المنطقة بكاملها في دوامة لا مخرج منها. وعلى هذا الصعيد، يسعى نظام بوتفليقة إلى التأكيد على أن “الأحداث أنصفته”، في مفهومه، عندما أظهر رفضا للانسياق وراء مطالب التغيير في الداخل، عندما تم التعبير عنها بعنف في تونس وليبيا ومصر. وبذلك يطرح النظام نفسه كضمانة أساسية للحفاظ على الخيط الرفيع الذي يحفظ أمن المنطقة العابرة للصحراء، والمغرب العربي بدرجة أقل، من الانهيار. والملاحظ، في هذا السياق، أنه يتردد دائما على ألسنة المسؤولين الجزائريين، أن “حنكة بوتفليقة وبعد نظره مكَنا من الحفاظ على سلامة الحدود، ودرء المخاطر التي تحدق بها من الجيران”. وفي حال كسب بوتفليقة معركته مع صحته وترشح للاستحقاق الرئاسي، سيستخدم لا محالة ورقة أمن الحدود في الدعاية للعهدة الرابعة. وسيكون هذا الموضوع حاضرا بقوة في خطابات مسؤولي أحزاب الولاء الحريصين على إظهار سابع الرؤساء في صورة “الرجل الملهم الذي جنَب الجزائر السقوط في مستنقع الخريف العربي”. ولكن الاستقرار الداخلي الذي يسوّقه النظام في الخارج، يوجِد شعورا عاما في البلاد بأنه يقوم على أساسات هشَّة قد تتحطم عند أول موجة غضب، شبيهة بالتي وقعت في جانفي 2011، والتي سارعت السلطة لاحتوائها بإطلاق وعود بإصلاحات سياسية، اتضح بعد عامين أنها كانت حيلة للالتفاف على مطلب التغيير، وتمكن الرئيس بواسطتها من شراء سلم اجتماعي.. مؤقتا. رغم أنها كانت مبرمجة منذ سنة الإنزال الفرنسي زرع الشك في نفوس المعارضين حول مصير الرئاسيات استنفرت المعارضة قواها بمجرد ما وطأت أقدام الوزير الأول الفرنسي، جون مارك ايرولت، الجزائر، في مخيلتها “مهمة واحدة ووحيدة” جاء لأجلها المسؤول الفرنسي، تتلخص في “الاستثمار والصفقات مقابل التزكية والدعم للعهدة الرابعة”. رغم أن زيارة ايرولت إلى الجزائر كانت مبرمجة منذ سنة، إلا أن هذا التفصيل لم يشفع للنظام لإزاحة فكرة أن الفرنسيين جاؤوا لابتزاز الجزائر بدعم النظام القائم بتزكية الرئيس بوتفليقة أو مرشح النظام لمزيد من الحكم، وهي فكرة طرقت عقول قادة المعارضة، خاصة من يسمون أنفسهم “مجموعة العشرين”، الذين سارعوا إلى “التشاور” ثم الخروج بتوافق يفيد بأن “ايرولت في الجزائر من أجل صفقة تخص الرئاسيات المقبلة”. خرجة المعارضة السريعة، شبيهة بخرجة مستعجلة للقبض على “السراق”، باعتبار أن كل عناصر “الجريمة” اكتملت في رأيها ورأي الكثير من السياسيين وأكثرهم صامتون يرون أن لفرنسا اليد الطولى في تحديد هوية الرئيس في الجزائر ولا ينبغي لها، هذه المرة، أن لا تكون فاعلا في الحدث الرئاسي، وهو رأي يلازم رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي منذ مدة. وعندما يقول ايرولت إن “الرئيس بوتفليقة بدا شجاعا جدا بعد مرضه”، يعني لدى المعارضين “عربون” تزكية، مبطنة ومحشوة بمصالح يبتغيها الفرنسيون، موسعة جدا، لا تستثني إبطال القاعدة الاقتصادية 51 /49 بالمائة التي تتمسك بها الحكومة، وإن كان الفرنسيون لا يبدون صراحة انزعاجهم إزاء هذه القاعدة، مثل غيرهم من بلدان الاتحاد الأوروبي، ليقينهم أنه ما يفوتهم من مغانم من هذا الباب، يجري تعويضه من أبواب أخرى ضعفا أو أكثر، وتعبّر أحزاب المعارضة عن ذلك أن “النظام في الجزائر ينتهج قاعدة خذ ما تشاء ودعني أفعل ما أشاء”، عندما يتعلق الأمر باستحقاق رئاسي. تأكد الكثير من الجزائريين أن أي تعامل أوروبي مع السلطة في الجزائر، لا يحمل ذرة براءة، وهذا الموقف لا يختلف عليه الموالون لبوتفليقة ومعارضوه، بالنسبة لدولة (فرنسا) تعتبر أن “حقوقا لها مازالت في الجزائر” وهي الدولة التي “عالجت رئيس الجزائريين لأشهر”، وتمكنت من قبر مشروع تجريم الاستعمار، ورفعت من حجم استثماراتها بالجزائر في السنوات الأخيرة. استنفار أحزاب المعارضة ضد زيارة ايرولت، يعني أن أي “إنزال” خارجي على الجزائر، سيصنف ضمن دعم الرئيس لعهدة رابعة، وإذا كان الأمر كذلك، فهل يعني هذا أنه يتوجب على الحكومة إلغاء كل الزيارات المبرمجة قبل موعد الرئاسيات، حتى لا تتهم بإرشاء الخارج لضمان استمرار النظام القائم؟ ونظرة النظام إلى هكذا فكرة، تؤشر على “قصور معارضة” تريد وقف كل شيء في هذا البلد إلى حين موعد الحسم، وهي التي لم تستطع حتى الالتقاء على موقف موحد إزاء مرشح واحد يجمعها. السلطة بدورها قد تقول إن زيارة ايرولت كانت مبرمجة منذ سنة كاملة، لكن أي عاقل سيتساءل: لماذا برمجت لأن تكون في هذا الوقت بالذات؟ نائب رئيس حركة “حمس” الهاشمي جعبوب ل”الخبر” الغرب لا تهمه الديمقراطية بقدر ما تهمه أنظمة تحافظ على مصالحه هل زيارات المسؤولين الفرنسيين والأجانب في هذا الظرف إلى الجزائر لها صلة بالانتخابات الرئاسية؟ أكيد.. فرنسا والغرب يعتقدان أن الظرف مناسب للرمي بثقلهما في الانتخابات الرئاسية المقبلة. الإنزال الفرنسي والتقارب غير المسبوق مع الجزائر لا يمكن فصل ذلك عن الاستحقاقات المقبلة، وهناك ملاحظات مهمة تظهر هذا الاستغلال، المبعوث الفرنسي قال إنه سوى كل مشاكل المتعاملين الفرنسيين، وهكذا تصريحات أسلوب غير متحضر وتصريح يضرب في الصميم مصداقية البلاد، لأن المفروض أن الدولة تسوّي كل مشاكل المستثمرين بطريقة متساوية بغض النظر عن جنسيتهم، كما أن الوزير الأول الفرنسي كان واضحا عندما قال “جئنا لنحافظ على مكانتنا الاستراتيجية في التعامل مع الجزائر”، فرنسا منزعجة من زحزحتها من طرف الصين كشريك تجاري أول مع الجزائر، رغم أن الصين لا تستفيد من تخفيض الجباية الجمركية، وما يقلق الفرنسيين، هو ماذا سيكون موقف فرنسا إذا تم تعميم المزايا الممنوحة لها، للصين. هل يمكن الحديث عن استغلال فرنسي غربي لظرف الانتخابات للحصول على أكثر مزايا اقتصادية مثلا، بعيدا عن دعاوى الحرص على الديمقراطية والحريات؟ الغرب لا تهمه الديمقراطية وحقوق الإنسان لا في الجزائر ولا في الدول العربية والعالم الثالث، بقدر ما يهمه الارتكاز على أنظمة تحافظ على مصالحه في هذه الدول، ولذلك نلمس أن هناك تسابقا ولي أذرع من قبل فرنساوواشنطن في الجزائر. فيما يتعلق بالرئاسيات في الجزائر، من الضروري استنكار تصريح الوزير الأول حول صحة الرئيس، هذا تصريح غير لبق وجارح للجزائريين وهو تدخل سافر في أمر يهم الجزائريين وحدهم. الواضح أن هذا نوع من الاستغلال للظرف السياسي للجزائر والانتخابات الرئاسية لطلب المزيد من التسهيلات التجارية والاقتصادية، دون الوفاء بأي وعود في المقابل. جل الوعود المتضمنة في اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي لم يوف بها الطرف الأوروبي، لا في مكافحة الإرهاب ولا في دعم الاستثمارات ولا في نقل التكنولوجيا. إذن، هل مخاوف المعارضة من أن تطغى حسابات الخارج الاقتصادية وإغراءات السلطة على حسم الرئاسيات مشروعة؟ الهاجس الأول والأخير لقوى المعارضة ولكل الجزائريين في الانتخابات، هو توفير الإطار الديمقراطي والرقي بالرئاسيات إلى المعايير والمقاييس الدولية. نحن مررنا بمرحلة الحزب الوحيد التي كان فيها الرئيس يفوز ب99 بالمائة، بن بلة، بومدين والشاذلي، ولما وصلنا إلى التعددية الرئيس يفوز دائما في الدور الأول، يعني أننا لم نتجاوز العقلية السياسية ذاتها، مقارنة مع دول أخرى، حققت تقدما أفضل في هذا السياق. دولة بوركينافاسو التي فزنا عليها في المجال الرياضي، لديها هيئة عليا دستورية مستقلة تماما عن الإدارة تتولى تنظيم الانتخابات. مطلبنا لمصلحة البلاد تأسيس هيئة تكون مستقلة نهائيا عن الإدارة، تشرف على تنظيم الانتخابات والخروج من هاجس التزوير. الجزائر: حاوره عثمان لحياني القيادي في حزب العمال رمضان تعزيبت ل”الخبر” الجزائر مستهدفة بالابتزاز والتدخل الأجنبي لا يصنع الديمقراطية هل الزيارات الأخيرة للمسؤولين الفرنسيين والأجانب إلى الجزائر بريئة من سياق الرئاسيات المقبلة؟ هذه علاقات بين دول، ليس مطلوبا أنه عندما يحين موعد الانتخابات تتوقف الزيارات من وإلى الجزائر، وأظن أن الزيارات الأخيرة لمسؤولين فرنسيين أو غيرهم كانت مبرمجة من قبل، ومن الطبيعي أن كل بلد يبحث في سياق العلاقات الدولية عن مصالحه السياسية والاقتصادية، لكن نحن في حزب العمال نتابع المواقف الرسمية للدولة الجزائرية، ونسجل كل الملاحظات حول نتائج أي زيارة لمسؤول أجنبي ونراقب بشكل دقيق كل ما يتصل بسيادة الدولة الجزائرية السياسي والاقتصادي. ما يهمنا بالدرجة الأولى هو احترام السيادة الجزائرية، فيما يتعلق بالصفقات المبرمة على الصعيد الاقتصادي، ليست لدينا كل المعلومات الكافية، ويهمنا في المقام الأول أيضا احترام قاعدة 51 /49 بالمائة. هناك من يتهم السلطة بأنها تلعب بورقة الأمن ومكافحة الإرهاب، لاستدراج الغرب إلى السكوت على الظروف التي ستجرى فيها الرئاسيات المقبلة؟ أنا لا أعلق على مواقف وقراءات أحزاب المعارضة أو أحزاب أخرى، على مستوى حزب العمال سجلنا منذ فترة وبدأنا نشعر بمحاولات أمريكية وأوروبية متعددة للضغط على الجزائر، كل هذه الضغوط مرفوضة، وهي المعنية بمواقفنا ونضالنا ودعوتنا من قبل إلى التصدي لهكذا محاولات وتقوية الجبهة الداخلية. ولا أظن أن المواقف والتحرك الجزائري المتعلق بمكافحة الإرهاب ودعم الأمن والاستقرار في منطقة الساحل ذات بعد سياسي. أعتقد أن التجربة المؤلمة للجزائيين مع آفة الإرهاب وكون الجزائر محاطة بستة آلاف كيلو متر من الحدود المهددة بالإرهاب، كفيلة بأن تدفع الدولة الجزائرية إلى تعزيز تحركها الإقليمي لضمان الأمن والعمل مع دول الجوار المعنية، ورفض التدخل الأجنبي في منطقة الساحل. إلى أي مدى تتخوفون من تأثيرات خارجية على ظروف ومسار الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ في كل الاستحقاقات السابقة، كانت الجزائر تعارض الابتزاز السياسي ومستهدفة بضغوط. وفيما يخص الانتخابات الرئاسية المقبلة، لدينا موقف مبدئي، نحن ضد أي تدخل أجنبي في الشؤون السياسية للبلاد أو الزعم بالمساعدة في إدارة ومراقبة الانتخابات. لا يمكن لأي طرف أجنبي أن يزعم أنه قادر على ضمان نزاهة الانتخابات أو الزعم بتقديم المشورة حول ضمانات الانتخابات، لم يحدث في أي بلد في العالم أن كان التدخل الأجنبي مفيدا لصالح الانتخابات أو ساهم في صنع الديمقراطية. لدينا تجربة على هذا الصعيد في 2012، شاهدنا مواقف الاتحاد الأوروبي من الانتخابات التشريعية الماضية، وكيف أنه أقر في البداية بالظروف الحسنة التي جرت فيها الانتخابات، ثم في بداية السنة الجارية، بدأ يغير موقفه عبر طرح جملة ملاحظات وتشكيك في الانتخابات، وهو ما نفهمه على أنه محاولة ابتزاز سياسي واقتصادي. الجزائر: حاوره عثمان لحياني