نقرأ من حين لآخر في بعض الأشرطة الإخبارية التلفزيونية عن سقوط هذا المترجم أو ذاك في أحواز بغداد أو في أرباض كابول، وتتوقف بنا المعلومات عند هذا الحد. ولا نتساءل ما إذا جرى تعويض عائلات أولئك الضحايا الذين أحبوا أن يسيروا في ركاب الغزاة، وأن ينقلوا لهم بالإنجليزية أو الفرنسية أو بأي لغة أخرى ما تصطخب به الأحداث السياسية والعسكرية والإجتماعية في بلدانهم. أحسب أن أولئك المترجمين يعملون ضد شعوبهم، وأن الطمع هو الذي يقودهم إلى ملاقاة حتوفهم هنا وهناك. وأيا ما كان الأمر، فإن ما يدفعني إلى استذكار أولئك المترجمين إنما هو تاريخ بلادي بالذات. المترجم العربي الذي كان ضمن جيش الغزاة الفرنسيين الذين هبطوا بشبه جزيرة سيدي فرج يوم 14 جوان من عام 1830، اسمه جورج غاروي Georges Garoué، وهو من بلاد الشام، على حد ما أورده بعض المؤرخين الفرنسيين. وكان قبلها يعمل في خزينة دمشق خلال الحكم العثماني. ولعل استخفافه بما جرى من أحداث خلال الهبوط الفرنسي هو الذي دفعه إلى أن يتعنت، ويغامر بنفسه ظنا منه أنه قد ينال البراءة من الذين هبط بديارهم عنوة ضمن جيش الاحتلال الفرنسي. وبالفعل، فبعد العمليات العسكرية الأولى في ضواحي سيدي فرج وما جاورها، أراد أن يضطلع بدور المفاوض، أو شيء من هذا القبيل. وانطلق صوب مدينة الجزائر المحروسة لمقابلة الداي حسين وأعوانه العسكريين الذين انشغلوا بالدفاع عن مدينتهم وعن أصولهم وتاريخهم وحضارتهم. وكان له ما أراد من جانب قادة الاحتلال الذين منحوه ترخيصا خاصا بالانطلاق نحو القصبة. لكن، ما أسرع ما خاب أمله حين أراد مخاطبة المقاومين،إذ صدر الحكم عليه بالإعدام. والمؤرخون لا يوردون أي تفصيل في هذا الشأن، بل يكتفون بالإشارة إلى أن الجلاد فصل رأسه عن جسده في ساحة باب عزون. وليس هناك أدنى شك، وهو العربي القادم من بلاد الشام ضمن الجيش الفرنسي، قد اعتبر خائنا لأمته، تماما مثلما يعتبر المترجمون الذين يسيرون اليوم في ركاب الغزاة الأمريكيين في العراق وفي أفغانستان، خونة ينبغي إعدامهم حتى يحجموا كل حركة من حركات العدو. هذه هي الترجمة، وأولئك هم المترجمون! وأعترف أنني لا أشعر بأي شكل من أشكال الشفقة على أولئك الذين يضطلعون بها اليوم في كل من العراق وأفغانستان ضمن جيوش الاحتلال حتى وإن كانت الترجمة رزقهم الوحيد. إذا كان يوليوس قيصر قد زعم أن الترجمة خيانة في وقت من الأوقات، فإنها كانت وما تزال جهدا علميا في جميع الحضارات، لكن، أن يبادر المترجم من هذا الوطن أو ذاك إلى تقديم يد العون إلى الغزاة، فذلك ما لا أجد له أي تبرير.