من باريس تحدث وزير الشؤون الدينية عن الشيوخ المزيفين الذين ينشرون التطرف ويشوهون الدين، كان كلامه في مسجد باريس، وقد تحدث كأستاذ في الجامعة أراد أن يدافع عن وسطية الإسلام وسماحته. أولئك الذين يصفهم الدكتور محمد عيسى بالشيوخ المزيفين، هم أئمة لهم منابر ثابتة ومعروفة، وأغلبيتهم يتقاضون أجورهم من الدولة، وهم لا يبدون أي استعداد للنقاش الفكري، والأرجح أنهم لم يسمعوا كلمة وزير الشؤون الدينية التي تزامنت مع وقت صلاة الجمعة الأخيرة، ولن يعودوا إلى الصحف التي كتبت عنها، وإذا حدث وسمعوا شيئا عما قاله الوزير فسيقابلونه بشيء من السخرية والازدراء. محمد عيسى وزير في الحكومة الجزائرية، هو ليس واعظا، ولم يعد أستاذا في الجامعة، وعندما نتحدث عن شيوخ مزيفين يعتلون المنابر لينشروا الجهل والتطرف، فهذا يعني أن على الحكومة القيام بعمل ما من أجل تصحيح هذا الوضع الشاذ، تماما مثلما تتدخل أجهزة الأمن لتفكيك جماعة إرهابية بمجرد اكتشافها. هل يمكن أن تسكت وزارة الشؤون الدينية عن شيخ، مزيف أو حقيقي، يقف على منبر ويمجد الإرهاب ويدعو إلى قتل المسلمين؟ الأكيد أنها لن تسكت، لكنها الآن تسكت عن شيوخ في المساجد، وفي الأماكن العامة، وفي القنوات التلفزيونية، يتحدثون باسم الدين، ويدعون إلى الغلو والتطرف، ولن تكون نتيجة فكرهم إلا الدفع في اتجاه مزيد من العنف. السجال الفكري ساحته الجامعات ومراكز البحث، ويمكن أن يكون مادة للكتابة في حقول معرفية مختلفة، وهذا الأمر ليس من اختصاص الحكومة، أو وزير الشؤون الدينية، فمهمة الحكومة ووزير الشؤون الدينية هي حماية الدين من الشيوخ المشعوذين والجهلة، وحماية المجتمع من كل أشكال التطرف، والأمر هنا لا يعني أبدا المساس بالحريات الفردية، وفي مقدمتها حرية التعبير، لكنه يتصل بتوفير الإطار الذي يسمح بانتشار الإسلام الوسطي الذي تحدث عنه الوزير من مسجد باريس. نحن محتاجون إلى الوعظ والإرشاد، لكن حاجتنا اليوم إلى تطبيق القانون أشد.