دعا مشايخ وأئمة ودعاة دول الساحل، أمس بالجزائر العاصمة، إلى ضرورة تنسيق وتوحيد كافة الجهود لإرساء قاعدة علمية متينة لمواجهة ظاهرة التطرف والغلو الديني، التي تفشت في الأمة الإسلامية خلال السنوات الأخيرة، مشددين على أهمية العودة إلى القيم السمحة للشريعة الإسلامية المعتدلة والقائمة على التسامح والتعايش والتواصل مع الآخر بهدف لم شمل الأمة وصون أمنها. وأكد أئمة ودعاة الساحل من مالي، النيجر، بوركينافاسو، موريتانيا والجزائر خلال المؤتمر التأسيسي لرابطة علماء ودعاة الساحل، الذي افتتحت أشغاله بفندق "السفير مازافران" بتيبازة (غرب العاصمة) بحضور شخصيات دينية وأئمة، على حتمية توحيد كلمة علماء الأمة الإسلامية لنشر قيم التسامح والفضيلة بين الشعوب لنبذ الخلافات والصراعات ومظاهر الفساد التي تفشت بشكل يدعو للقلق. وفي هذا الإطار، أوضح ممثل الوفد الجزائري، الشيخ يوسف مشرية في كلمة افتتاحية وجوب محاربة كافة أشكال الغلو والتطرف الديني، التي تسعى بعض الأطراف لجعله عقيدة في الأمة الإسلامية، لاسيما في دول منطقة الساحل. وأكد السيد مشرية أن الهدف الرئيسي من تأسيس هذه الرابطة هو السعي بشتى الوسائل العلمية والتوعوية المتاحة لإرساء ثقافة الإرشاد والنصيحة البناءة بين دول المنطقة، باعتبار هذه المهمة نبيلة ومسؤولية ثقيلة تقع على عاتق العلماء والأئمة والدعاة الذين يعود لهم الفضل في مواجهة خطر التيارات الفكرية المنحرفة والشاذة عن وسطية الإسلام، وأوضح المتحدث أن المبادرة تندرج في إطار تكثيف العمل لمواجهة كافة أشكال التطرف عبر التأسيس لمرجعية دينية قوية ومعتمدة من قبل علماء ومشايخ منطقة الساحل الإفريقي، تكون قائمة على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تماشيا مع تعاليم المذهب المالكي المنتشر في هذه الدول. كما ترمي هذه الرابطة -يضيف المتحدث- إلى نبذ التطرف والغلو وظاهرة الإرهاب بكل أشكاله ومظاهره العابرة للحدود، وذلك من خلال السّهر على إظهار شيم السماحة التي يتميز بها الدين الإسلامي الحنيف. وقال في السياق، إن التفكير في إنشاء هذه الرابطة جاء بمناسبة لقاء جمع نخبة من علماء دول الساحل بالبقاع المقدسة خلال موسم الحج الماضي، نافيا أن يكون ذلك على ضوء ما يجري من أحداث وصراعات جراء تردي الأوضاع الأمنية في مالي. وذكر بأن الجزائر أكدت في العديد من المنابر بأهمية استحداث مرجعية محلية وإقليمية تراعي خصوصيات واقع الفكر الإسلامي، خاصة فيما يتعلق بالفتاوى، مبرزا خطورة الانسياق وراء الأهواء والنزوات الشخصية في نشر الدعوة والإفتاء بغير علم. من جهته، اعتبر الشيخ أحمد تخمرين (إمام خطيب بولاية تمنراست) أن إنشاء رابطة علماء وأئمة الساحل يهدف لتكوين قاعدة علمية لمواجهة العنف وأشكال التشدد والتزمت مع الحرص على غرس ثقافة الأمن والسلم وتوعية الناس بأمور دينهم ودنياهم، محذرا من الانعكاسات السلبية على المنطقة جراء الابتعاد عن نصوص المذهب المالكي المعتمد في منطقة المغرب العربي، كما دعا المتحدث لمزيد من التضحية في سبيل إعلاء قيم الإسلام السمحة ونشر فضائل التسامح لمواجهة آثار الغلو. كما أكد ولد مصطفى محمد عبد الله (أستاذ جامعي وإمام من موريتانيا) أن المبادرين باستحداث هذه الهيئة يسعون لتهيئة أرضية عمل مشتركة بين الدول المعنية قصد تبادل الأفكار بين أئمة وعلماء الساحل وتوعية المجتمعات الإفريقية بمخاطر ظاهرة التطرف الديني وكيفية القضاء عليها. وفي هذا الشأن، أشاد رئيس جلسة افتتاح المؤتمر الشيخ داوود بوريمة (من دولة النيجر) بالتجربة الجزائرية في مجابهة التطرف والغلو الديني، مستشهدا بما عاناه الشعب الجزائري من ويلات العشرية السوداء، مشددا على ضرورة الاستفادة من هذه التجربة الثرية لتفادي تكرار نفس السيناريو في منطقة الساحل. وقدّم المشاركون في الفترة المسائية مجموعة من المحاضرات تناولت بالأساس موضوع التطرف الديني في منطقة الساحل مع اقتراح الأسباب والحلول الممكنة. للإشارة، ستدوم أشغال هذا المؤتمر التأسيسي يومين كاملين، حيث سيعرف اليوم الثاني والأخير (اليوم) عقد جلسة الاختتام لإعلان تأسيس الرابطة وتعيين رئيسها وأمينها العام إلى جانب أعضاء مكتبها التنفيذي.