دعا الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أمس إلى مراجعة دور صندوق النقد الدولي في معالجة المسائل المالية والنقدية العالمية وذلك بإسناد صلاحيات شمولية في المجال والتزام كل البلدان بما فيها البلدان المتقدمة بعملية تقويم القطاع المالي التي تنجزها هذه المؤسسة. جاء في الكلمة التي ألقاها أمس رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي نيابة عن الرئيس بن علي خلال الجلسة الافتتاحية للندوة الدولية السنوية التي تحمل عنوان «أي منظومة اقتصادية عالمية لضمان الاستقرار والتنمية في العالم؟» التي ينظمها التجمع الدستوري الديمقراطي على مدى يومين بمشاركة 184 شخصية من مختلف دول العالم تمثل 69 حزبا و24 مؤسسة ومركزا للبحوث الدولية، «إنه يتعين التوصل إلى توافق جماعي بشأن نظام اقتصادي دولي يضمن الاستقرار في العالم ويكون قادرا على تحويل العولمة إلى قوة إيجابية تعزز مقومات التنمية الاقتصادية». وقال الرئيس التونسي إن الأوضاع الاقتصادية والمالية العالمية شهدت اخطر أزمة منذ ثلاثينات القرن الماضي لاتساع دائرة الخطر النظامي بفعل عولمة أسواق المال والاستعمال المفرط للأدوات المالية المعقدة التي غذت عمليات المضاربة ووسعت الهوة بين قطاع الإنتاج والقطاع المالي. وأشار المتحدث إلى تضاعف حجم المعاملات بهذه الأدوات غير المؤطرة لتبلغ عشرات المرات حجم الاقتصاد الحقيقي حتى أضحى القطاع المالي دائرة منفصلة ومستقلة بذاتها وخارجة عن سيطرة سلطات المراقبة، وهو ما أدى من وجهة نظره إلى تفاقم المخاطر التي تحتويها هذه الأدوات بان ساد مناخ عدم الثقة في الأسواق المالية وحصل شح في السيولة وتعطل نشاط الإقراض وتسربت تداعياته إلى الاقتصاد العالمي، مبرزا بالقول »ولولا التدخلات المنسقة للبنوك المركزية وكثافتها بفضل اتخاذ تدابير غير تقليدية على مستوى السياسات النقدية وتدخل الحكومات عبر تنوع برامج الإنقاذ والتنشيط الاقتصادي لاتخذت الأزمة أبعادا اخطر بكثير». وفي سياق تطرقه إلى المقصود من التنمية البشرية الشاملة، أوضح بن علي أن غياب رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار مفهوم التنمية البشرية المنصفة قد زاد في تعميق التفاوت بين البلدان والشعوب وفي اتساع نطاق الأزمة التي امتدت آثارها إلى البلدان النامية. وقال الرئيس زين العابدين بن علي إن تونس كانت سباقة في رصد التطورات التي شهدتها الأسواق المالية العالمية منذ بروز البوادر الأولى لهذه الأزمة من خلال تركيز خلايا يقظة ومتابعة مكنت من وضع إستراتيجية وطنية متكاملة لمواجهة تداعيات الأزمة والمحافظة على توازنات بلادنا الداخلية والخارجية، مؤكدا سعيه اعتماد سياسة توفق بين التوجه التحرري للاقتصاد وإرساء آليات وقائية من المخاطر وذلك باعتماد مبدأ اليقظة والاستشراف وإتباع منظومة الحذر الكلى في السياسة النقدية وإحداث مركز للبحوث والدراسات المالية والنقدية في البنك المركزي التونسي يقوم برصد التطورات التي تشهدها الأوضاع المالية والاقتصادية في العالم وتحليلها وتقويم تأثيراتها في الاقتصاد الوطني. وفي إطار حديثه عن الإجراءات التي اتخذتها تونس لمواجهة الأزمة المالية العالمية، شدد بن علي العزم على مواصلة الإصلاحات حتى يتحقق التحرير الكامل للدينار قبل نهاية سنة 2014 لترتقي تونس إلى مرتبة مالية إقليمية تمكنها من اللحاق بمصاف الدول المتقدمة. وعلى الصعيد العالمي أكد زين العابدين بن علي أن ما زاد الأوضاع سوءا خطر التلوث وتدهور البيئة حيث أدت المنافسة الشديدة وعولمة الاقتصاد إلى استغلال الثروات الطبيعية غير المتجددة بصفة مكثفة وبطريقة لا تخضع غالبا للرقابة، مطالبا المجموعة الدولية بملازمة اليقظة، وإبلاء أهمية قصوى لوضع إستراتيجيات منسقة للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة، والتأكد من التعافي التام للاقتصاد العالمي. وشدد في هذا السياق، على ضرورة إحكام تنسيق الجهود وتكثيف آليات التعاون بما يضمن تفادي تكرار مثل هذه الأزمة، باعتبار أن عدة معطيات تشير إلى هشاشة الأوضاع في ظل تفاقم البطالة وعجز الميزانيات العمومية والمدفوعات الجارية ولجوء معظم البلدان إلى اعتماد السياسة الاحترازية. ودعا بن علي المجتمع الدولي إلى وضع إستراتيجية عالمية منصفة وغير تمييزية تعطى الأولوية للبعد التنموي وتهيئ لبيئة اقتصادية دولية ملائمة لتسريع التنمية وإحكام الترابط بين النظم التجارية وتعزيز شفافية النظم النقدية والمالية، مع ضرورة إتاحة الفرصة للدول النامية للمشاركة في صنع القرار على الصعيد الدولي، والاستفادة من الفرص التي تتيحها لها العولمة، إلى جانب تصحيح القواعد التي تستخدم للحد من حرية التجارة. كما طالب بن علي المجموعة الدولية بإرساء ضوابط في شكل مدونة سلوك أممية ملزمة تضمن الملائمة بين القطاع المالي والقطاع الاقتصادي، وتضع معايير لإدارة المخاطر وتقويمها، بالإضافة إلى سحب الرقابة على جميع المؤسسات المالية التي يحتوى نشاطها على عنصر المخاطرة، مشددا على بضرورة مراجعة دور صندوق النقد الدولي في معالجة المسائل المالية والنقدية العالمية وذلك بإسناد صلاحيات شمولية في المجال والتزام كل البلدان بما فيها البلدان المتقدمة بعملية تقويم القطاع المالي التي تنجزها هذه المؤسسة الدولية.