إذا كان إحياء هذا اليوم يختلف من بلدٍ إلى آخر، فإن ذلك يعكس أيضا الاختلاف والتباين، في فهم حقوق الطفل من مجتمعٍ إلى مجتمع، ولكنَّ الثابت هو أن البلدان المتخلِّفة، هي أكثر البيئات التي يتعرّض الطفل فيها، إلى كلِّ أنواع الاعتداء والإهمال وسوء المعاملة، وهي بذلك أكثر المجتمعات تخلّفًا، في المحافظة على حقوق الطفل، وقد أفرزت مرحلة ما بعد مأساة الوطنية في الجزائر، ظواهر خطيرة على الطفل الجزائري، عملت جميعها على اغتصاب طفولته منه لم تكن النساء المنضويات تحت لواء الاتحاد النسائي الديمقراطي الدولي، وهُنّ يُعلِنّ في مؤتمر لهن بباريس، عن إنشاء يوم عالميٍّ لحماية الأطفال، في شهر نوفمبر من عام 1949، تُؤمِنَّ أن الأممالمتحدة ستُصدِر قرارًا لها عام 1954 بما توصّلت إليه تلك النسوة، ولكن كان عليهن أن تنتظرن حتى عام 1989، لتصادق مائة وإحدى وتسعون (191) دولة، على اتِّفاقية تجعل تاريخ يوم العشرين نوفمبر من كل عام، يوما عالميّا لحقوق الطفل، وإن اختلف تاريخ الاحتفال به من بلدٍ إلى آخر، فإن جميع البلدان راحت تحتفل به على استحياء، ابتداءً من عام 1950، ولكنها وضعته في أجندة أعيادها العالمية، كما هو الحال في الجزائر، التي جعلت الفاتح من شهر يونيو جوان من كل عام عيدا للطفل الجزائري، حتى وإن كانت حالته لا زالت مغبونة، شأنه شأن بقية الشرائح الأخرى، المُتأذِّية من تناسل الأزمات في المجتمع، رغم أن هناك دراسة أُجرِيت منذ أسابيع فقط، تفيد أن أطفال الجزائر، يحتلون المراتب الأولى على سُلَّم الأطفال الأكثر سعادة، مما جعل الكثيرين يُشكِّكون في تلك الدراسة، وسط ما حدث ويحدث للمجتمع من هزات عنيفة أضرت بالطفولة أكثر، وقالوا فيما يُشبه التّهكّم: ربما يكون مُعِدُّو تلك الدراسة، اعتمدوا مضمون البيت الشعري العربي القائل: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم تعرّضت الطفولة الجزائرية، إلى تدميرٍ كبير من طرف الاحتلال الفرنسي، فكبرت قبل أن تشب عن الطوق، وأفطمتها الأهوال قبل الأوان، فأسرع أطفالنا إلى وضع طفولتهم في خدمة شعبهم، ودخلوا الثورة المسلّحة، كما لم يدخلها أطفال مثلهم في العالم، فضحَّى كثير منهم بنفسه من أجل أن تتحرّر الجزائر، وتُحطِّم أغلال العبودية، عن كافة الجزائريين، ولم يهدأ لهم بال حتى سلّموا ( لُعَبَ) نصرهم الكبيرة، إلى أطفال الاستقلال، الذين ربما يكونون أكثر أجيال الطفولة الجزائرية، تمتُّعًا بالحقوق، حسب رؤية الأممالمتحدة، غير أن أحداث المأساة الوطنية، التي زلزلت المجتمع الجزائري، في تسعينيات القرن الماضي، تكون الأقسى على الطفل الجزائري، بعد استرجاع الدولة، والأخطر على المجتمع، الذي سيظل يجني الثِّمار المُرَّة لتلك القساوة، نتيجة إهمال تلك الشريحة، التي لم يتمّ التكفَّل بها، وقد تحوّل أولئك الأطفال إلى مشاتل للعنف، الذي استهدف القيَّم المشتركة للأمة، وراح يزعزع أركان الدولة، التي ساهم الأطفال في إعادة بعثها . إذا كان إحياء هذا اليوم يختلف من بلدٍ إلى آخر، فإن ذلك يعكس أيضا الاختلاف والتباين، في فهم حقوق الطفل من مجتمعٍ إلى مجتمع، ولكنَّ الثابت هو أن البلدان المتخلِّفة، هي أكثر البيئات التي يتعرّض الطفل فيها، إلى كلِّ أنواع الاعتداء والإهمال وسوء المعاملة، وهي بذلك أكثر المجتمعات تخلّفًا، في المحافظة على حقوق الطفل، وقد أفرزت مرحلة ما بعد مأساة الوطنية في الجزائر، ظواهر خطيرة على الطفل الجزائري، عملت جميعها على اغتصاب طفولته منه، فقد تآكل حق الطفل في اللعب، بانحسار مساحاته التي ابتلعها الإسمنت، وهوت أقدام أكثر من مليوني تلميذ بأصحابها في وحل آفة التدخين، حسب دراسة ميدانية أجرتها الهيئة الوطنية، لترقية الصحة وتطوير البحث مؤخَّرًا، في عدة ثانويات ومتوسطات على مستوى مدينة الجزائر الكبرى، بالإضافة إلى تفشِّي ظاهرة الاختطاف، سواء كان من أجل ابتزاز الأولياء، أو التَّبنِّي، أو بهدف الاتِّجار بالبشر، أو الاستغلال الجنسي، وظهر كذلك نوع من الأطفال، ممّن لا أب لهم معروفا ولا أم، يتراوح عددهم في العام الواحد، بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف طفلٍ مجهول النسب، يتزايد من سنة إلى أخرى، حسب مُنتدى فوروم، وأعتقد أن الجزائر (المُسعَفة) التي فقدت مؤسساتها كثيرا من وعيها، في الاهتمام برجل الغد، إن لم تقم بتفكيك قنابل الحاضر، الذي يمتاز بتزايدٍ مستمر، في تعداد الأطفال المُسعَفين والمُهمَلين، أو المُجتثِّين من أسَرِهِم بحكم القانون الجديد للطفل، والذين ستتقوَّى بهم البيئة الفاسدة، العاملة على تحطيم عناصر المواطنة، ستنفجر تلك القنابل في مستقبل الأجيال القادمة، لأن إهمال طفولة اليوم، أو ممارسة العنف عليها، أو قطْع أواصرها مع قيّم الأسرة الصالحة، قد يجعلها تنشأ على معاداة المجتمع، وتُنتِج رجالا يعملون على الانتقام منه، فتضيع بذلك أجيال كاملة، كنا نعتقد أنها عماد المستقبل المنتظر، وتُسرَق مِنا أمام أعيننا ...