الجزء الأول تطرق الوزير السابق والقيادي في حزب جبهة التحرير الوطني، بوجمعة هيشور، في حديث ل "صوت الأحرار"، إلى عديد القضايا الوطنية التي تشغل الرأي العام والطبقة السياسية على حد سواء، حيث تحدث هيشور عن رسالة الرئيس بوتفليقة والتي قال إنها تؤكد بأنه ماض في استكمال واجبه الدستوري لمواجهة كل التحديات التي تنتظر الجزائر مستقبلا، كما أشار إلى المعارضة التي مد الرئيس لها يده من أجل بناء دستور إجماع، واعتبرها عنصرا مهما في الحلقة الديمقراطية ومنوها بدورها في صناعة الرأي والرأي المخالف، هذه المواضيع وأخرى على غرار التوريث وارتباط اسم شقيق الرئيس بدواليب الحكم وغيرها من القضايا كانت في صلب الحديث مع بوجمعة هيشور في هذا الحوار. أكد رئيس الجمهورية في رسالته بمناسبة عيد الاستقلال، أنه باق في الحكم إلى غاية استكمال عهدته الرئاسية، ما هي قراءتكم لهذا الالتزام الذي أبداه الرئيس؟ أولا، أشكركم على أن جريدتكم الغراء تتيح لي هذه الفرصة لأبدي رأيي المتواضع في بعض القضايا المطروحة على الساحة السياسية والاقتصادية والتي تهم الرأي العام. من المعروف أنه في جل المناسبات الوطنية يوجه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خطابات أو رسائل للأمة جد هامة، إن في مضامينها أو مدلولاتها، غالبا ما تكون توجيهية أكثر منها موجهة، باعتباره رئيسا لكل الجزائريين، على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الفكرية أو الحزبية وحتى العقائدية، هذه المرة كان في الرسالة جزء موجها وصريحا نحو الطبقة السياسية والمعارضة على وجه الخصوص، حيث اعتبرها عنصرا مهما في الحلقة الديمقراطية ومنوها بدورها في صناعة الرأي والرأي المخالف، ثم أنه وبموجب الدستور أكد الرئيس عزمه على مواصلة المهمة التي أسندت له من طرف الشعب الجزائري الذي تشبث مرة أخرى ديمقراطيا برجل الوئام والسلم والمصالحة الوطنية والاستقرار. فهذا في حد ذاته جواب صريح بأن الرئيس ماض بعون الله في استكمال حقه الدستوري إلى غاية 2019. ثم أنه من منطلق الالتزام بالمسؤولية وتحملها أمام الاضطرابات الجيو السياسة والإقليمية غير المسبوقة على حدودنا، كان لابد أكثر من أي وقت مضى، اتخاذ القرار الصائب وهو خيار يجب احترامه كما احترمنا قرار الرئيس زروال بإجراء رئاسيات مسبقة، غير أن في تلك المرحلة كانت الخيارات متعددة باعتبار أن الكثير من رجالات الثورة كانوا على قيد الحياة، أما اليوم فالكثير من جيل الثورة انتقل إلى رحمة الله، ومن بقي على قيد الحياة فقد بلغ من الكبر عتيا، فإلى غاية الانتقال إلى جيل الاستقلال وإعطائه المشعل، وهو أمر لا مفر منه اليوم أو غدا فهي حتمية يفرضها الواقع، الرئيس بوتفليقة ماض في استكمال واجبه الدستوري لمواجهة كل التحديات التي تنتظر الجزائر مستقبلا، كما أن لهذا الرجل عزيمة فولاذية وإيمانا قويا عهدناهما فيه على مدى عهدات توليه مقاليد الحكم، فهو لا يمل ولا يكل في خدمة بلده. وهنا أوضح أن مرحلة ما بعد بوتفليقة تعتبر تحولا في منظومة الحكم في الجزائر، لأنها ستؤول لا محالة لجيل الاستقلال وستتزامن دون أدنى شك مع اضطرابات وتوترات إقليمية يحسب لها ألف حساب. كل هذه المعطيات تجعل الرئيس المجاهد، رجل الدولة والمؤسسات الذي يعرف أكثر من غيره أن التخلي عن المسؤولية رغم الظروف الصحية التي مر بها، بمثابة إدارة الظهر للوطن وللرجال من المجاهدين والشهداء الأبرار رفاق الدرب والكفاح والنضال من أبناء جيله واستنفاد ما تبقى من العهدة هو قرار استقرار الجزائر، ففي هذه الظروف الاستثنائية لا داعي لأي مغامرة سياسية ستكون مخيبة للجميع. من جهة أخرى، فإن الرئيس المنتخب ديمقراطيا طمأن الأمة الجزائرية بقدرته على مواصلة الانجازات الضخمة الذي باشرها في العهدات السابقة، مشيرا إلى تدهور وانخفاض سعر النفط ومدى تأثيره على الاقتصاد الوطني، إذ يمثل تهديدا مباشرا للتماسك الاجتماعي إذا استمرت الأمور عل حالها، في وقت تواجه الجزائر هذا الظرف العصيب بمديونية، أقل ما يقال عنها أنها تكاد تكون منعدمة، وأريحية مالية مطمئنة على الأقل بالنسبة للسنوات الثلاث أو الأربع المقبلة. والرأي السديد في استباق واستشراف الأمور والحكم الراشد وفي تسيير شؤون البلاد، تحسبا للسنين العجاف، كل ذلك يعود فيه الفضل للرئيس بوتفليقة، كما لم يخف الرئيس أنه يجب مثابرة الجهود لمجابهة التحديات والتصدي لكل طارئ من خلال حثه أبناء وبنات الشعب الواحد على العمل أكثر خاصة الشباب المفعم بالأفكار والقدرات العالية. استنادا لرسالة الرئيس، هل تتوقعون الحسم في مسألة الدستور قريبا؟ لقد أتيحت لي الفرصة كذا من مرة لتقديم مساهمتي المتواضعة فرديا من خلال أعمدة صحيفتكم بالخصوص في هذا الموضوع بالذات المتعلق بالدستور، ثم ولكوني كنت على رأس مركز الدراسات والتحليل والاستشراف لحزب جبهة التحرير الوطني جاءت مساهماتي متجاوبة ومتوافقة مع خط الحزب، من خلال فريق العمل الذي كلفت بقيادته آنذاك، فكانت الدراسات تصب في إنجاز دستور توافقي غير هجين. فكل متتبع للتطور المؤسساتي من خلال كل الدساتير المتعاقبة منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، كان كل دستور يحدد مكانة وموقع السلطة في النظام السياسي كله، ينجز وينظم ويتمحور حول رئيس الجمهورية باعتباره يمثل وحدة السلطة والنظام وذلك بالتشاور مع مختلف مؤسسات الجمهورية ومراكز القرار. ثم أنها ليست هذه المرة الأولى التي يبادر فيها الرئيس بوتفليقة بمراجعة الدستور، نتذكر أنه منذ عام 1999، قام بتعديلات هامة منها دسترة الأمازيغية، مرورا بإعطاء المرأة حظا أوفر ودورا أكبر ومكانة أعمق في المجالس المنتخبة والمؤسسات، وفي كل الاستحقاقات كان الحكم للشعب وحده يوم الاقتراع أين تكلمت الصناديق بكل شفافية وديمقراطية وأعطى الشعب بأغلبيته ثقته للرئيس بوتفليقة وليس لغيره. إن المشاورات مع الأحزاب السياسية والشخصيات والأكاديميين والجمعيات والمجتمع المدني قد وصلت إلى نهايتها، ومن المفترض أن المشروع أصبح جاهزا على مستوى رئاسة الجمهورية ، وسيتم عرضه قريبا على البرلمان بغرفتيه أو الذهاب مباشرة إلى الاستفتاء الشعبي، هي مسألة وقت وما تقتضيه أولوية الظرف أيضا. في اعتقادي أن الإفصاح عن الدستور الجديد سيكون قبل نهاية الثلاثي الأخير لهذه السنة 2015، بعد اعتماد المشروع القانون من طرف مجلس الوزراء بموافقة المجلس الدستوري، يتم عرضه من رئيس الجمهورية على البرلمان بغرفتيه مجتمعين، والذي يجب أن يحصل على دعم الأغلبية وهي ثلاثة أرباع أعضاء البرلمان. أكد رئيس الجمهورية مرارا حرصه على مشاركة المعارضة في إعداد الدستور، لكنها تواجه ذلك بالرفض، ما رأيكم؟ في كل ديمقراطيات العالم، لا تتجاوب المعارضة بسهولة مع اقتراحات تأتي من السلطة القائمة دون اعتراضات وفي بعض الأحيان تكون هناك مساومات سياسية، هذا الأمر معهود ، مألوف وطبيعي جدا، مع الإشارة هنا إلى أن رئيس الجمهورية قد التزم بإعداد دستور توافقي يضمن تدعيم مبدأ فصل السلطات ويعطي دورا أكبر للبرلمان واستقلال القضاء وتمكين المعارضة من حقوقها الكاملة في العمل السياسي وضمان حقوق وحريات المواطنين وترسيخ سيادة القانون وتعزيز الديمقراطية بما يتماشى والتطور السريع في المجتمع والتغيرات العميقة الجارية في جميع أنحاء العالم. على المعارضة استخلاص الدروس في الممارسة الديمقراطية، فتفويت الفرصة بأي شكل من الأشكال لا يخدمها، فهي تبحث عن التغيير وتتناقض في بعض الأحيان بعدم التجاوب معه. لذلك أرى أنه يجب على المعارضة استخلاص الدروس في الممارسة الديمقراطية ، فتفويت الفرصة بأي شكل من الأشكال لا يخدمها فهي تبحث عن التغيير وتتناقض في بعض الأحيان بعدم التجاوب معه، فرفضها المشاركة في إعداد الدستور لا يقلل من دورها ولها الحق بالتصويت ضد المشروع مع شرح وإعطاء فقط أسباب هذا العزوف أو الامتناع أو الرفض، بكل موضوعية. رغم تحذيرات المؤسسة العسكرية، تسعى بعض أطراف المعارضة إلى توريط الجيش في الجدل السياسي، هل ينم ذلك عن إفلاس سياسي؟ تؤدي المؤسسة العسكرية واجبها الدستوري على أحسن الأوجه، ولا يختلف اثنان على أنها بقيت دائما مهتمة بدورها الدستوري، المتمثل في الدفاع عن السيادة الوطنية وحماية الاستقلال الوطني وحماية الحدود، فالجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني وكل الأسلاك الأمنية الأخرى، هو الضامن الوحيد للاستقرار الوطني وحياد هذه المؤسسة الهامة. علما بأن عدم تدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي كان في كل الحقبات من تاريخ الجزائر المستقلة من العوامل الأساسية لاستمرار وتحقيق الاستقرار وكل تدخلاتها كانت أمنية بحتة ولم تكن أبدا سياسية وهذا ما لاحظناه في العشرية السوداء. أما فيما يخص "الإفلاس السياسي" الذي تتخبط فيه المعارضة فهو حقيقة ملحوظة وقد تبين ذلك جليا في مختلف الاستحقاقات، فالطرح الخاطئ الذي تطرحه بعض أقطاب المعارضة يبدو أنه ولحد الساعة لم يتجاوب مع ما يصبو له جميع المواطنين، وإلا كيف نفسر كل النتائج المخيبة التي تحققها المعارضة في الانتخابات والتي لا تتجاوز نسبة 1 في المائة. فالمؤسسة العسكرية كانت دائما إلى جانب الشرعية ولم تتعد هذا الخط بتاتا، و لهذا فإن محاولة توريط الجيش في الجدل السياسي تبقى أمرا بعيد المنال إن لم يكن مستحيلا ،ويبقى الوصول إلى السلطة مرتبطا بالبرامج السياسية إن وجدت، وقوة إقناع الناخب الجزائري، وإن نجحت المعارضة في ذلك ستلقى كل المساندة من المؤسسة العسكرية التي في كل الحالات ستحترم الشرعية وخيار الشعب الجزائري ليس إلا. هناك جدل يدور في الساحة السياسية حول التوريث، رغم نفي الكثير من السياسيين إمكانية حصول ذلك، ماذا تعرفون عن السعيد بوتفليقة؟ لقد وظفت كلمة التوريث كثيرا في غير موضعها، خاصة في السنوات الأخيرة وأعطيت لها دلالة أخرى أقل من معناها بكثير إلى أن أصبحت مصطلحا تحقيريا بل صارت من الطابوهات، في الوقت الذي ردد التوريث كثيرا في كتاب الله عندما ورث سليمان داود، وورث يحيى زكريا والأمثلة القرآنية كثيرة ولله المثل الأعلى، ثم أن الرئيس بوتفليقة شد أزره بأخيه عندما اتخذه مستشارا له، أو لم يفعلها موسى مع أخيه هارون، ثم أن يوسف عندما أصبح حاكما لمصر ألم يقل آتوني بأهلكم أجمعين، وهذا للقول بأن ديننا الحنيف لم يتعارض مع ذلك أبدا بل بالعكس عنصر القرابة مهم جدا لأنها عادة ما تكون مقرونة بالثقة والطاعة، وهما عنصران للجدية والتفاني في العمل والنزاهة أيضا. وأتساءل هنا، عندما ينفي الكثير من السياسيين إمكانية حصول ذلك، فعلى ماذا يعتمدون في حكمهم؟ إذا عدنا إلى الدستور فإن لكل جزائري حق الترشح، إذا توفرت فيه كل الشروط فمن يسلبه هذا الحق الدستوري، ثم إذا نظرنا إلى الديمقراطيات الكبرى كأمريكا، وهو خير مثال باعتبارها أقوى دولة حاليا في العالم، فقد شهدنا بوش وبوش الأصغر من الحزب الجمهوري وأتوقف هنا حتى لا أطيل، وأنا أستغرب عندما أسمع من هنا وهناك استكثار عنصر القرابة والثقة بين الرئيس وأخيه إلى حد اجتثاث قرابة الدم، فالتوريث في مختلف الأزمنة كان دائما موجودا، الفرق أن في النظام الجمهوري في وقتنا المعاصر بخلاف الحكم الملكي فهو مرتبط بإرادة واختيار الشعب، ومهما كان انتماء الشخص وخلفياته فالمهم هو يوم الاقتراع، حيث تعود الكلمة الأخيرة للشعب، إن أعطت أعطت وإن خيبت خيبت. هكذا أفهم الأمور أما غير ذلك فلا يعدو أن يكون مجرد كلام لا أكثر ولا أقل. ثم أنه إذا كان لشقيق الرئيس من الحكمة وهو الذي مما لا شك نهلها من أخيه الأكبر طوال كل هذه السنين داخل المؤسسة الهامة والجوهرية وهي رئاسة الجمهورية، ما يؤهله لأن يكون مرشحا فأين المشكل، لقد سبق لي وأن أشرت إلى ذلك في إحدى القنوات التلفزيونية بأنه يملك من المؤهلات ومن الذكاء والخبرة أيضا ما يجعله مرشحا قويا. فهو مطلع دون أدنى شك على كل الملفات الكبرى وأسرار ودواليب السلطة، باعتباره مستشار الرئيس وأخيه في نفس الوقت، واكبه في كل صغيرة وكبيرة على مدى ست عشرة سنة، فالحكمة تقتضي إعادة النظر في بعض المفاهيم الخاطئة التي يحاول البعض توظيفها في العمل السياسي. أما سؤالكم إذا كان شقيق الرئيس سيترشح للرئاسيات المقبلة، فهذا في اعتقادي كلام سابق لأوانه، الجزائر يقودها رئيس اسمه عبد العزيز بوتفليقة تمتد عهدته إلى غاية 2019 إن شاء الله، وعند ذلكم التاريخ تبقى الأمور بيد صاحبها ولكل حدث حديث. المهم كرجل سياسي أتمنى أن يكون ضمن النخبة المؤهلة لذلك على غرار الكثير من رجالات الدولة الذين لهم موعد مع قدرهم، مصلحة الجزائر واستقرارها . هل يتدخل مستشار الرئيس السعيد بوتفليقة، في شؤون الحكم، هل سبق له أن تدخل لديكم في شأن ما، عندما كنتم وزيرا؟ لا أ دري إن كنتم تتعمدون جعل أسئلتكم تتمحور حول شخص شقيق الرئيس، المفارقة أنني سئلت قبل أيام في حصة تلفزيونية نفس السؤال وأنا لا أجد حرجا في الرد على هذا السؤال بل بالعكس يجب إعطاء الصورة الحقيقية لشخص أظنني عرفت بعضا من خصاله ، أتذكر أنني أعطيت شهادتي تلفزيونيا وهي مسجلة وأرددها اليوم كتابيا في صحيفتكم الموقرة، قلت بالحرف الواحد إنني طيلة مدة استوزاري على مدى قرابة أربع سنوات لم أتلق لا أمرا ولا نهيا من طرف شقيق الرئيس وأنا على رأس قطاعات هامة مثل وزارة الاتصال ووزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال، وهذه شهادة أقولها أمام الله وأمام الجميع، العلاقة التي ربطتني وتربطني بشقيق الرئيس لا تعدو أن تتعدى المصافحة وتبادل الاحترام في بعض المناسبات الانتخابية أو الاحتفائية. ومن هذا المنطلق أجزم قاطعا أن شقيق الرئيس لا يتدخل أبدا في شوؤن الغير. الرجل مترفع عن هذه الأشياء، وقد يكون هناك بعض الأشخاص كانوا يستثمرون باسم هذا الشخص دون علمه مستغلين ثقته وهو بريء منهم. المؤتمر العاشر لحزب جبهة التحرير الوطني كان ناجحا بكل المقاييس، فهل ترون أن الأزمة التي عرفها الحزب قد أصبحت من الماضي؟ أبدأ من حيث انتهى سؤالكم ، الرجوع إلى الماضي لا يغني ولا يسمن من جوع ، لقد انطلق القطار ويجب على الجميع أن يركبه دون استثناء، نحن نتكلم عن مؤتمر وليس انعقاد دورة ، بالأمس القريب صارعنا من الداخل لأننا كنا نرى بأن حزب جبهة التحرير الوطني قد سلك طريقا غير طريقه ومنهجا غير منهجه وخطا إيديولوجيا بعيدا كل البعد عن الرسالة النوفمبرية المستوحاة من بيان أول نوفمبر 1954. ولتصحيح المسار كان لا بد من قيادة جديدة نتوسم فيها إعادة الحزب إلى مساره الصحيح. هذا الذي ناضلنا من أجله. اليوم وقد تأتى لنا ذلك بعد مؤتمر امتاز بالشفافية والديمقرطية في تزكية الأخ عمار سعداني أمينا عاما للحزب، من خلال ثقة 6000 مندوب من كل المحافظات والقسمات ومن إطارات وإطارات سامية، لا يمكنني إلا أن أقول إنه كان من أنجح المؤتمرات التي عرفها حزب جبهة التحرير الوطني كيف لا، وقد استقطب واسترجع العديد من الشخصيات السياسية من وزراء في الحكومة الحالية في اللجنة المركزية وهذا دليل على مدى قوة هذا الحزب وقوة إقناع الأمين العام للحزب لهؤلاء الذي تجاوبوا إيجابيا وهي في الحقيقة عودة إلى حزبهم الأصلي بعدما شغلتهم المهمات الادارية المختلفة عن النضال المتواصل. إن الحديث عن أزمة، في وقت أصبح فيه الحزب قويا أكثر ممن كان عليه سابقا، أظن بأن الأزمة انتهت وعلى الرفقاء الفرقاء الالتحاق بالركب وإعطاء القيادة الجديدة الوقت الكافي لتصحيح بعض الأشياء السلبية التي بدأت فعلا تمحى بعض آثارها مع مجيء الأخ عمار سعداني وبدأت أنا شخصيا ألاحظ ذلك ميدانيا، ثم أن التقييم يأتي بعد العمل ودائما في حزبنا نقول لمن أحسن أحسنت ولمن أساء أسأت، لكن بموضوعية وأدلة ملموسة. دعا الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني إلى تشكيل جبهة وطنية واسعة لدعم رئيس الجمهورية، لماذا جبهة وطنية في هذا الظرف بالذات؟ في رأيي أن رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة لا يحتاج إلى دعم بمفهوم الوقوف إلى جانبه كما يراد الترويج له من البعض، إذا كان كل ما نشاهده من دعم يأتي من الرئيس نفسه وليس العكس باعتبار قوة الرئيس مستمدة من إرادة الشعب والدليل على ذلك مرور حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي بهزات عنيفة لم يؤثر ذلك على الرئيس، ولهذا لما فكر الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني السيد عمار سعداني بتشكيل جبهة وطنية واسعة لدعم رئيس الجمهورية فهو بمفهوم الانخراط في سياسة الرئيس ودعمها من جهة وسد الطريق أمام بعض أقطاب المعارضة التي استغلت مؤخرا الساحة السياسية في غياب ما يسمى بأحزاب الموالاة التي خلت من الانسجام وعلى رأسها الحزبين الأساسيين حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي بسبب انشغالهما وانهماكهما في ترتيب البيت الداخلي، ثم أن تصريحات الأخ الأمين العام في أكثر من مناسبة جاءت قوية خاصة بعد المؤتمر العاشر بأن حزب جبهة التحرير الوطني سيكون قاطرة وليس عربة، معنى ذلك أنه قادر على خوض المعركة الميدانية منفردا، من منطلق أنه حزب الأغلبية في البرلمان وكذلك في المجالس المنتخبة البلدية والولائية وهذا هو المفهوم الحقيقي للقوة الميدانية وليس الصالونات ولا الخرجات الاعلامية، لكن عودة أويحيى على رأس التجمع الوطني الديمقراطي قبل المؤتمر توحي بأن هناك رغبة جامحة في استرجاع بعد المواقع الميدانية التي اكتسحت جانبا منها المعارضة وإعادة الأمور إلى نصابها. ثم إن للحزبين قواسم مشتركة كثيرة ما يجعلهما يكونان وغيرهما قطبا سياسيا متماسكا وأكثر قوة. وأظن أن الأمور ستسير إلى ائتلاف واسع بين أحزاب الموالاة لتكون حاضرة بأفكار وطروحات منسجمة، حتى إذا جاء الدستور الجديد تكون جاهزة للمرحلة الآتية ومتوافقة مع النصوص الجديدة. هذه قراءتي لمعنى تشكيل جبهة وطنية. ما هي رسالتكم لمن نصبوا أنفسهم معارضين بالنسبة للحزب؟ هؤلاء إخوان لنا وموقفهم لا ينقص من نضالهم ولا انتمائهم لحزب جبهة التحرير الوطني، وأنا من الذين ينبذون سياسة الإقصاء والتهميش التي طالما عانينا منها وحاربناها في نفس الوقت، والحديث عن مفهوم المعارضة يكون عندما يتعلق الأمر بخارج قواعد الحزب أما داخل الحزب فيمكن أن نتحدث عن مواقف أو آراء مخالفة ربما عن غضب، لكن يبقى ما يغذي ذلك هو الحساسيات والاتجاهات التي تختلف في بعض الأحيان مع السياسة المنتهجة من القيادة، وهذه هي الديمقراطية التي عهدناها داخل حزبنا، والحقيقة أن الأمين العام للحزب، وهذا يحسب له وليس عليه، بسط يده وفتح الأبواب على مصراعيها للجميع من أجل لم الشمل إلا لمن أبى، لذلك أرجو من الأخوة العدول عن هذا الموقف الذي لا يشبه لا في الشكل ولا في المضمون الموقف الذي اتخذناه في صراعنا ضد الأمين العام السابق، لذلك فإن دوافع الإخوة تبدو بكل صراحة غير موضوعية وغير مفهومة. نشر نور الدين بوكروح مقالا بإحدى الصحف تحت عنوان "بوتفليقة، سعداني وأنا"، ما تحليلكم؟ نور الدين بوكروح ينتمي إلى جيلنا وهو لا يخفي أبدا امتداده العقائدي المذهبي إلى مالك بن نبي رحمه الله. فقد كان طالبا عنده بالمسجد إلى جانب رشيد بن عيسى. وقد صدرت له مقالات في 1985 أعتقد أنه وجه فيها انتقادات لاذعة للسلطة ونظام الحزب الواحد آنذاك. بعد ذلك نشر سلسلة من المقالات يدعو فيها للانفتاح نحو الليبرالية، وهو الذي كان إطارا مسيرا في الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط. لما جاءت التعددية أسس حزب التجديد الجزائري الذي خاض به الانتخابات الرئاسية سنة 1995 وجرب حظه وجاء في مؤخرة الترتيب بنسبة أقل من 4 في المائة وراء سعيد سعدي، محفوظ نحناح والرئيس ليامين زروال. بعد القطيعة مع حزبه الذي أسسه، منحه الرجل الذي يصفه اليوم بألفاظ يعجز اللسان ولا يليق المقام لذكرها أو حتى ترديدها، مرتبة وزير من 1999 إلى 2005 وهو حظ لا يتأتى لأي كان، إذن العجز عن الشكر هو الذي كان يجب توظيفه، أما العجز الحركي فذلك من قضاء الله وقدره فلا شماتة في المرض، ويبقى العجز السياسي فلن يكون إلا للرجل السياسي دون غيره، لذا يعبر السيد بوكروح عن عجزه السياسي باللجوء إلى بعض المتنفسات الدينية والفلسفية و"ربي يعاونو"، فرتبة الوزير وهي رتبة مهمة في حياة الرجل السياسي منحت له من طرف الرئيس بوتفليقة لمدة ست سنوات كاملة لم يسمع له آنذاك ركزا ولا همسا ولا قولا، كان من المفروض اليوم وقد ارتفع له صوت أن يقول كلاما طيبا في حق الرجل، لا جحودا ونكرانا للجميل. إن من حق السيد بوكروح الانتقاد إن أراد ولكن في أشياء أخرى متعلقة ربما بالسياسة المنتهجة مع الإفادة والتوضيح، وهو الذي قاد الحكومة في مفاوضاتها مع المنظمة العالمية للتجارة، ثم أعتقد أن لا أخلاقنا الإسلامية السامية تسمح أو تحث على مثل تلك الألفاظ ولا مدرسة مالك بن نبي تشجع على ذلك. فيما يخص حديثه عن الأمين العام لحزب التحرير الوطني عمار سعداني، أقول بأن ديمقراطية 6000 مندوب الذين شاركوا في المؤتمر العاشر والذين زكوا الأخ الأمين العام كافية وكفيلة بالرد، وهي لوحدها تميل كفة الميزان عن كل الأسطر التي كتبت في حقه. إن الطرح السياسي النضالي لرجل يفترض أن له من الذكاء ما يجنبه الخوض في أمور لا تتماشى مع تكوينه العلمي والإيديولوجي، يعتقد من خلالها أنه يمثل ضمير الأمة التي عرفته أكثر عندما كان وزيرا منه فيلسوفا، هذه الأمة تجاوبت مع غيره أكثر مما تجاوبت معه، لذا يجب ألا يعطي لنفسه أكثر من حقها. يتبع...