الأوروبيون سيأتون اليوم إلى الجزائر ليبحثوا مستقبل اتفاق الشراكة الذي تم التوصل إليه قبل خمس سنوات، ومن المنتظر أن تكون الزيارة فرصة لطرح الحقائق على الطاولة. قبل خمس سنوات كان الحديث عن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي محاطا بكثير من الأحلام، وقد أسهب الرسميون هنا في شرح فضائل هذا الاتفاق، وما يمكنه أن يجنيه الجزائري من فوائد ،ورغم القول أن السنوات الأولى قد تكون صعبة علينا بحكم الاختلال الكبير في التوازن، فإن التفاؤل كان سائدا على العموم، والصورة القاتمة التي يرسمها الرسميون اليوم عن النتائج المحققة لم تكن واردة على الإطلاق. خلال سنة 2008 استوردت الجزائر من أوروبا ما قيمته 20 مليار دولار، ومقابل كل دولار تصدير نحو أوروبا هناك 20 دولار استيراد، وهذا الخلل يؤكد أن اتفاق الشراكة هو طريق في اتجاه واحد، والاستثمارات الأوروبية لم تأت خلال السنوات الأخيرة، وتنقل الأشخاص يزداد صعوبة، والقيود وصلت إلى ذروتها مع القرار الفرنسي، الذي قد يتبع بقرارات أوروبية مماثلة، بإخضاع الجزائريين لإجراءات تفتيش مشددة في المطارات، ولا شيء يوحي بأن أوروبا ستغير موقفها لأننا لا نملك ما نضغط به. في مقابل هذا سيسألنا الأوروبيون عن التدابير التي جاء بها قانون المالية التكميلي لسنة 2009 وأكدها قانون المالية لسنة 2010 ، وهم لا يخفون سخطهم من سياسة الحماية التي تطبقها الحكومة الجزائرية، والتي لا تعجب الأوروبيين ولا تتماشى، حسب تفسيرهم، مع اتفاق الشراكة، وبكل تأكيد فإن الجزائريين سيحاولون تقديم بعض المبررات مثل القول إن الأوروبيين أيضا لم يلتزموا بالاستثمار مباشرة هنا، وأنهم لم يفوا بوعودهم بخصوص حرية تنقل الأشخاص، غير أننا لا نملك إجابات مقنعة على المستوى الاقتصادي، وعلينا أن نلجأ إلى السياسة لعلنا نقدم إجابة ولو غير مقنعة. أصل الخلل، هو أن الشراكة لا تكون إلا بين طرفين متقاربين في الحجم والقوة، أما ما جرى بين الجزائر وأوروبا فلا يمكن أن تكون نتائجه إلا هيمنة الأقوى على الأضعف، فالمزايا التي يمكن أن يمنحها الاتفاق للطرف الجزائري لن تتحول إلى حقائق ملموسة إلا إذا تحسن أداء اقتصادنا وأصبحنا قادرين على المنافسة، وتلك كانت مقدمة ضرورية يجب أن تسبق توقيع الاتفاق لكنها أهملت لأن الاتفاق كان هدفا سياسيا في حد ذاته.