كشف المؤتمر الصحفي الكبير الذي عقد بالدوحة والخاص بإنتاج أضخم فيلم سينمائي عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مدى الحاجة لمزيد من النظر في المسائل الشرعية الخاصة بالفيلم. لقد أنهت نخبة من أبرز العلماء المسلمين مناقشة جوانب هامة تتعلق بهذا المشروع الهام جدا ولكنها لم تحسم في أبرز جوانبه. لا غرو أن الاهتمام بإنتاج فيلم ضخم وباللغة الإنجليزية ليوجه لجميع الناس يعدّ أمرا رائعا ومفيدا جدا في هذا الوقت الذي يظلم فيه المسلمون بالإساءة لمعتقداتهم أو التضييق على حياتهم واتهام دينهم بالتطرف والإرهاب. الفيلم الذي تخطط لإنتاجه شركة قطرية خصصت 200 مليون دولار قد يسند إخراجه للمخرج العالمي باري أوزبرن صاحب رائعتي »مملكة الخواتيم« و »ماتريكس«. المشكلة الكبيرة التي تواجه الفيلم والدراما بصفة عامة خاصة عند علماء المدرسة السُنية هو مراجعة مضمون الفيلم والتدقيق في كافة مراحل السيناريو خاصة ما تعلّق بتشخيص الأبطال، وهو الإشكال ذاته الذي واجه إنتاج فيلم »الرسالة« للمخرج مصطفى العقاد عام 1970. عاد هذا الإشكال اليوم ليُطرح بحدّة خاصة بعد نجاح الأعمال الدرامية الإيرانية ورواجها بين المشاهدين في العالم الإسلامي كله ومنها طبعا مسلسل»يوسف الصدّيق» و »مريم المقدسة«. ويبدو طبعا أن لا إشكال لدى المدرسة الشيعية بشأن تشخيص الأنبياء عبر التمثيل ولو أن هذا الجواز لا يمسّ آل البيت والنبي محمدا عليه الصلاة والسلام. عموما لا يزال النقاش حادا بين العلماء بالرغم من أن لا نصّ يُحرّم التشخيص للصحابة والمبشرين بالجنة، وكل ما في الأمر مجرّد اجتهاد يقوم على القياس مع أن الفوائد الجمة التي نخدم بها صورة الإسلام والمسلمين في العالم من خلال السينما والدراما لا نظير لها. يتطلّب الأمر جراءة فقهية ورؤية للعالم ولطبيعة الأثر السمعي والبصري الذي يتركه الفن السابع في اتجاهات الذوق والرأي والتصور لدى المشاهدين والجمهور وهم بالملايين، ولن يقف أمام هذا الأثر كتاب أو خطاب. ومع ذلك يتجلى التردّد دائما في مثل هذه المناسبات ومن ذلك ما حدث من خلاف بين الشيخ القرضاوي الذي أجاز تجسيد أدوار الصحابة بضوابط شرعية مستثنيا الأنبياء وأمهات المؤمنين والخلفاء الراشدين وثلاثة فقط من العشرة المبشرين بالجنة هم أبو عبيدة عامر بن الجراح وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام لما لهم من منزلة خاصة بين الصحابة والمسلمين، و بين مفتي عام المملكة السعودية الذي خالفه الرأي مفتيا بعدم جواز تجسيد الصحابة بشكل نهائي بصورة تمثيلية أو كاريكاتورية عبر شاشات التلفزيون..! أجل، ليست المشكلة في تخصيص مئات الملايين من الدولارات ضمن ميزانيات ضخمة لإنتاج أفلام دينية وتاريخية تخدم رسالة الإسلام وحضارته وعلى الطريقة الهوليودية ووفقا لمعايير فنية عالية، بل لا بد من تجاوز كثير من الإشكالات والمصاعب حتى لا يبدو العمل ناقصا أو مشوّها أو مرتبكا..! لماذا تتحفّظ المدرسة السُنية في المسائل السياسية وفي الفنون بينما تتحرّر المدرسة الشيعية أكثر..؟