صراحة ليس مقبولا على الإطلاق أن يضرب الأطباء لمدة شهرين بدون أن يتمكنوا من تحقيق مطالبهم، وصراحة ليس مقبولا أن يعامل إضراب الأطباء مثلما يعامل المتفرجون عندما يخرجون من ملاعب كرة القدم. ورغم ذلك فإن مطالبهم معقولة، وخاصة ما تعلق منها بتوفير ظروف العمل اللائقة وتحسين الرواتب. إن الأطباء هم نخبة النخبة أو الزبدة في المجتمع. تصوروا أنه لكي تصبح طبيبا يتعين عليك أولا أن تتحصل على شهادة البكالوريا بامتياز، ثم تدرس في الجامعة لمدة سبع سنوات بالنسبة للطب العام ، ثم يتعين عليك سنة ثامنة لتحضير المسابقة، وبعدها تدرس بين أربع إلى خمس سنوات للتخصص، ولأنهم أطباء لا يعفون من الخدمة الوطنية، وبعدها يتعين عليهم أداء الخدمة المدنية أي توجيه الطبيب نحو العمل في المناطق البعيدة وخاصة الصحراء. في المحصلة لكي تصبح طبيبا لابد أن تدرس 13 سنة بعد البكالوريا، أي أن الطبيب يعادل مهندس مرتين. كل هذا ولا يستحق الطبيب أن يكون في أعلى الهرم من حيث الراتب، ألا يمكن اعتبار الوضع العام مطاردا للمتفوقين، ومطاردا للنخبة ؟. نقلت الصحافة الجزائرية خبر منع قوات الأمن مستخدمي الصحة العمومية المضربين منذ شهرين من الخروج من مستشفى باشا بالقوة..وهذا أمر مقزز، لأنهم عوملوا دون مستواهم العلمي والاجتماعي. وبعدها نشرت بعض الصحف خبرا يتعلق بهجرة أزيد من 2000 طبيب جزائري إلى الخارج خلال عام 2009، يضافون إلى نحو 20 ألف طبيب موجودين في فرنسا وحدها. وهذا ما يجعلنا نستنتج أن البيئة أصبحت غير مشجعة تماما، وهي تدفع نحو »تهريب الكفاءات«، وهي وضعية أخطر من فضائح التسيب والرشاوي والفضائح التي تهز عدة قطاعات في الجزائر منها شركة سوناطراك. وإذا أجمعت الصحف على أن ما يحدث في سوناطراك أو الطريق السيّار شرق غرب أو الميترو أو سونلغاز ب »الفضيحة« المدوية، فإنه يجوز القول أن ما يحدث للكفاءات الجزائرية هو فضيحة مدوية أيضا وخطيرة.. لكن في صمت، إنه تهريب للمال العام بطرق أخرى.