[email protected] عندما قمت بإهداء كتابي الأخير( اخرجوا منها انتم ) الذي صدر في مارس الماضي لبعض الأصدقاء، وجدت البعض منهم يسألني سؤالا غريبا، وهو متى سيصدر الكتاب القادم؟ والحقيقة أنني كنت أقابل في كل مرة ذلك التساؤل برد دبلوماسي مع معظم السائلين، خاصة أولئك الذين لا يشعرون بحقيقة معاناة الكاتب خلال الكتابة، فما بالك لو تعلق الأمر بإصدار كتاب حيث تكون المعاناة أشد.. والواقع أنني وجدت نفسي في واحدة من هذه الأسئلة المتكررة أقول لأحد الأصدقاء ممن اختبر الكتابة و ربما لم يختبر مسألة إصدار كتاب، و قد راح يسألني متى سيصدر كتابي القادم، بإجابته أن كتابي القادم سيصدر عندما تبيض الدجاجة!! واغتاظ هذا الصديق لظنه أنني أهزأ به و لعدم اقتناعه بجوابي رغم أنه لم يفهم قصدي و كاد يتركني و ينسحب دون أن أشرح له قصدي ، و بعد أن مشى بعض الخطوات عاد يقول لي: أراك تستهزئ بي من خلال هذا الجواب .. قلت له مداعب: لو أن هذا الذي سألني (متى سأصدر الكتاب القادم )،كان خارج عالم الكتابة كيفما كان شكلها ،لأجبته بكل صدق مثلما أجبت بقية السائلين، بأن مسألة إصدار كتاب تتطلب كثيرا من الوقت ، و كثيرا من الجهد ، و شيئا من المال كذلك ، و تتطلب وقتا مستقطعا بين هذا الكتاب و الكتاب الذي يليه حتى نعطي الفرصة و الوقت للقارئ و حتى لا ننهكه ماليا كذلك. و لكن أن تسألني أنت بالذات و أنت الذي خبرت الكتابة ومعاناتها وتعرف الطباعة وأهوالها و مشاكلها، وتعلم مشاكل التوزيع ونسبة المقروئية في بلادنا لذلك وجدتني أجيبك بذلك الجواب حتى ولو أغاظك .. هل تعتقد يا صديقي أن الكاتب هو مجرد دجاجة تبيض اليوم وغدا و بعد غد وفي باقي أيام الشهر والسنة365 بيضة.. الكتابة معاناة ومكابدة و جهد ربما أصعب من الجهد اليدوي .. إذا كانت عملية البناء كيفما كان شكله تمر بمراحل عدة بدء باختيار التربة ودراستها إن كانت صالحة للبناء أو لا، ثم بالحيثيات الإدارية المعقدة من رخصة البناء إلى الاختيار الدقيق للساهرين على البناء، إلى الحصول على مواد البناء ، إلى المهندس المعماري الماهر ،إلى المهندس التقني الكفء، إلى البنائين المهرة في جميع التخصصات بما في ذلك النقاشين الذين يتفننون في وضع الحجارة على الواجهة ، و انتهاء بالمكلفين بالدهن و الصباغة و غير ذلك، فإن إصدار كتاب يا صديقي عملية شاقة تبدأ بالكتابة نفسها التي تحضرك اليوم و قد تمتد معك لأسابيع و تنهكك فكريا و جسميا معا، و قد تغيب عنك لأيام و ربما لأشهر قد لا تكتب خلالها سطرا واحدا و قد لا تحضرك خلالها أية فكرة ، بل قد تجد الكتابة و قد هجرتك و لم يعد القلم أو الكمبيوتر يطاوعك ، بل قد تجده و قد تمرد عليك كلية بعد أن كان صديقك الذي تلتجئ إليه في كل حين وفي كل آن .. الكتابة يا صديقي قد تحضرك اليوم في أية ساعة ، قد تحضرك ليلا عندما يبدأ بعضهم سهرهم و لياليهم الملاح ،و قد تحضرك ما بعد منتصف الليل عندما يغط معظمهم في نوم عميق،و ربما تحضرك مع الفجر عندما يحلو للبعض النوم الجميل خاصة مع فصل الشتاء، أو تزورك الكتابة و جنون الإلهام عندما تحين صلاة الفجر لدى المؤمنين و الركع السجود. ليس الكاتب ياصديقي دجاجة تبيض بيضها طوال أيام العام ، و ليست الكتابة مجرد بيضة قد تفقس أفراخا بكل الألوان أو يكون بيضها مشوها و مازجا كما يقول التعبير الشعبي .. الكتابة أفكار و أحاسيس جياشة جميلة و صادقة، و الكتابة معلومات و تدقيق و بحث دائم و تحيين لمعومات و تصحيح لمعلومات أخرى.. ليست الكتابة مجر د أفكار نلوكها اليوم فننسخها كما نُسخت النعجة (دولي ) أو الطفلة المستنسخة أو المستمسخة (إيفا ).. الكاتب لا يبيض و لن يكون مجرد دجاجة ،و كتابته موقف و رأي و تصحيح لفكرة خاطئة أو أفكار مغلوطة .. الكتابة يا صديقي ليست ارتزاقا حتى لو أن هذا الكاتب أو ذاك يعيش من كتابته، و إن كنت لم أعثر لحد الآن لم على كاتب جزائري واحد مقيم في هذا الوطن يسترزق من الكتاب أو يعيش من الكتابة عموما.. و عندما تتحول الكتابة في بلادنا للارتزاق مستقبلا فقد نجد كتابا يصدرون كتبا في كل شهر ،و ربما في كل يوم تماما مثلما تفعل الدجاجات التي تبيض في كل يوم،وآمل ألا أعيش لمثل هذا اليوم و ألا أكون من هذا الصنف من الكتاب المبيض على الدوام، و ألا أجد مادحا مثل بشار بن برد الذي قال في حق ربابة تلك المرأة التي كانت تجود عليه ببضع بيضات و لما امتنعت عن ذلك راح يمتدحها لكي تجود عليه بقوله : ربابة ربة البيت تصب الخل في الزيت لها عشر دجاجات و ديك حسن الزيت ..