تتوافد عشرات العائلات المعوزة هذه الأيام على مقر مركز العلاج النفسي الكائن ببن طلحة طمعا في المنحة التي تقدم لها عدا و نقدا كل ثلاثة أشهر، إعانة نجحت حسب شهادات المستفيدين منها من المحظوظين في التخفيف من وطأة الفقر الذي أثقل كاهلها حتى بات هذا العمل الخيري يستقطب المعوزين و متوسطي الدخل اعتقادا منهم أن هذه المبادرة الخيرية التي جاءت لتزاحم عمل مديريات النشاط الاجتماعي مفتوحة للجميع دون قيد أو شرط ما دام أهل الخير كثر و من جنسيات مختلفة... إماراتي أو جزائري؟"" النساء اللائي وجدناهن تنتظرن دورهن في طابور منظم رفقة أولادهن الصغار الذين خلقوا جو من المرح و الضجيج تبادلن أطراف الحديث ورحن يسألن بعضهن البعض " أنت تاع الإمارات او تاع الجزائر؟" في إشارة منهن لمعرفة مصدر المنحة وأدركنا بعد حديثنا مع بعض المستفيدات من هذا العمل الخيري أن هذه المبادرة التضامنية التي لا تعني إلا الأيتام من الأب دون غيرهم من الأطفال المعوزين مما يفسر الحضور الإجباري للأطفال في كل مرة لاستلام المبلغ للالتقاط صور حية لهم بالمركز وأن المشروع الخيري الذي بادرت إليه الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث" الفورام "ساهم في إنجاحه وتوسيعه محسنون جزائريون في شكل أشخاص وهيئات رسمية وغير رسمية وأشقاء من دولة الإمارات العربية المتحدة تحت إشراف الهلال الأحمر الإماراتي والذين امتدى كرمهم وجودهم المعروفين بهما ليطال أيتام الجزائر من معوزين و فقراء مما يفسر انقسام المستفدين من المنحة إلى شقين جزائري و إمارتي لتبقى شروط الاستفادة في كلتا الحالتين واحدة سواء من حيث المبلغ المحدد والذي لا يقل عن ال9000 دج للطفل الواحد أو تاريخ استلام المنحة والتي في حال تأخر وصولها من دولة الإمارات العربية المتحدة تسلم في شكل استدراك للمنحة. السيدة زرقين لويزة من براقي جاءت لاستكمال ملف طفلتها" إشراق"-ثلاث سنوات و نصف –و التي كانت قد أودعته لدى مكتب كافل اليتيم مؤخرا و الفرحة تتطاير من عينيها هي التي تركها زوجها المتوفي في افريل 2006 جراء أزمة قلبية دون معيل لولا المساعدة التي تتلقاها كل ثلاثة أشهر من ذات المركز باسمي ابنها" مخلوف "الذي اجتاز امتحان التعليم المتوسط بامتياز و ابنتها "أماني" والتي تفوقت بنجاح في شهادة التعليم الابتدائي. واعترفت هذه الأرملة أن المساعدة المالية التي تستلمها كل ثلاثة أشهر من مركز بن طلحة و التي كانت في البداية محددة ب 7500 دج لكل واحد لترتفع إلى 9000 دج مؤخرا رفعت عنها و عن أبنائها الغبن و الفقر و مغبة السؤال و سمحت باستكمال ابنيها مشوارهما الدراسي بنجاح غير أنها اعترفت أن هذا المبلغ يأتي في كل مرة في وقته كأنه معجزة الاهية تنزل على هؤلاء الأيتام، فمنذ بضعة أيام لم يكن في منزلي سنتيما واحدا قالت هذه الأرملة و كدت لا اخفي عليكم أن أطرق باب الأحباب من المحسنين الذين يتذكرون أبنائي في المناسبات عندما ابلغني القائمون على مركز بن طلحة أن حصتي" مخلوف" و" أماني" قد وصلت و أن ملف" إشراق" قد وافق احد المحسنين الامارتيين جازاه الله خيرا رعايته من خلال التكفل بها . و أكدت هذه الأرملة أن علاقة عائلتها بهذا المركز بدأت في شكل تكفل نفسي بسيكولوجي بالطفلة" أماني " مباشرة بعد وفاة زوجها و التي عانت كثيرا من غياب والدها المفاجئ نظرا لتعلقها الشديد به انعكس سلبا على تحصيلها الدراسي و بدأت علاماتها في التدني بعد أن كانت معدلاتها لا تقل عن التسعة من عشرة. جهود الاختصاصيين النفسانيين مع" أماني" أتت بثمارها حسب شهادة والدتها لويزة بعد حصص منتظمة مع إحدى النفسانيات بعد ظهيرة كل يوم اثنين غير أن آثار صدمة فقدان والدها تقول والدتها لازالت تعاني منها في شكل انغلاق على نفسها و رفض الحديث عن والدها المتوفي. الأرملة" عتيقة شرايطية " التي فقدت زوجها منذ ال14 سنة في ظروف جد غامضة جاءت من المرجة ببراقي وجدناها هي الأخرى تستعد لاستلام منحة البعض من أبنائها و المقدرة ب 13000 دج تحاول بهذا المبلغ تدبير أمورها مع خمسة أيتام، أكبرهم خالد يعاني من اعوجاج في العمود الفقري . المنحة التي تستلمها السيدة شرايطية بفضل رعاية احد المحسنين الاماراتين الذي لم يستثن هذه العائلة المعوزة من كرمه طيلة ستة سنوات و اعترفت أن هذه الأخيرة تعجز عن تلبية حاجيات الأيتام الخمسة خلال الأعياد و المناسبات الكبرى و تأتي الالتفاتة التضامنية من مكتب الاحتياجات بذات المركز سواء في شهر رمضان أو بمناسبة الدخول المدرسي لتسد ما عجزت المنحة عن تسديده إضافة إلى بعض المساعدات التي نتلقاها من المسجد. طلبات من المدية و عين بسام و القائمة طويلة و جاء هذا العمل التضامني الذي دعت إليه الهيئة الوطنية لترقية الصحة و تطوير البحث حسب الأخصائية العيادية عقيلة لكحب بمركز بن طلحة في البداية استكمالا و تتويجا للتكفل النفسي الذي قام به المركز في بداية عمله مباشرة بعد مجزرة 1997 مع الأطفال ضحايا الإرهاب و الصدمات النفسية و التي لم تكن لتنجح في ظل الفقر المدقع الذي يعيش فيه هؤلاء المصدومين مما استوجب في البداية استحداث مكتب للاحتياجات توزع المواد الغذائية و الألبسة و الحقائب على العائلات المعوزة التي يعاني أبناؤها من اضطرابات و صدمات نفسية جراء العشرية السوداء التي عانى منها كثيرا سكان القاطنين ببراقي و بن طلحة و الرايس ليتجسد في الأخير مشروع" كافل اليتيم" و الذي التف حوله حسب ذات المتحدثة الكثير من الخيرين الإماراتيين الذين ساهموا لحد الآن في التكفل بقرابة 2000 يتيم تحت لواء الهلال الأحمر الإماراتي بينما وصلت مساهمات الجزائريين من أصحاب شركات و مواطنين ميسوري الحال ليتكفل هؤلاء بألف يتيم لا تتعدى مساهمة الواحد منهم ال 9000دج و ما فوق. و يبدو حسب الأخصائية العيادية عقيلة لكحب أن التهافت الكبير و الإقبال المنقطع النظير الذي يعرفه مركز العلاج النفسي ببن طلحة سواء في شطريه النفسي و المادي يرجع للإشهار الذي صنعه له المترددون عليه للعلاج النفسي من أولياء لاسيما الأمهات اللائي اصطحبن ذات مرة أولادهم لعلاجهم من الاضطرابات السلوكية فتم إقناعهن بضرورة الخضوع هن أيضا باعتبارهن حلقة جد مهمة و أساسية في نجاح علاج أطفالهن و نظرا من جهة أخرى لظروفهم العائلية الصعبة و المزرية امتدت مساعدة المركز لهم في شكل هبات و مساعدات تقدم لهم كلما طرق المحسنون أبواب المركز محملين بالألبسة و المواد الغذائية سواء في المناسبات الاجتماعية الكبرى أو خارج دائرة المناسبات ليصبح هذا المركز حسب ذات المتحدثة و في وقت قياسي محطة اجتماعية يتبادل المعوزون و الفقراء أطراف الحديث حول معاناتهم و ماسيهم ربما شعارهم في ذلك إذا عمت خفت. و اعترفت ذات المتحدثة قائلة " ملفات الأيتام وصلت إلينا من كل بلديات العاصمة و تعدت حدود إقليم ولاية الجزائر لتتصل بنا عائلات من المدية و عين بسام و عين الدفلى و غيرها من الولايات الداخلية طمعا في الاستفادة من مشروع كافل اليتيم مما اضطر" الفورام "إلى توسيع المبادرة من خلال فتح فروع لمركز بن طلحة بزموري و المنيعة و عين الدفلى و الرمكة و تيارت لتبقى أبواب المركز والذي يعد الوحيد على المستوى الوطني مفتوحة لكل أطفال الجزائر الذين يعانون من اضطرابات في السلوك أو حالات اكتئاب أو مشاكل التأتأة ، عمل يعتبره النفسانيون روتيني مقارنة بالحالات المعقدة و الحساسة التي اضطر هؤلاء فيها شهود عيان لعمليات قتل و تنكيل بجثث أمهاتهم و أبائهم على مرىء منهم. الإرهاب وراء ابتكار لتقنيات لم تدرس في الجامعة و قد تمكن المركز في الفترة المتراوحة من 1998الى 2002 من تسجيل 6800 فحص من بينها 2400 فحص عيادي و 2100فحص مدرسي و 2300 فحص ارتو فوني مقابل 3500 فحص في الفترة المتراوحة ما بين 2002 و 2005 و مجموع 3000 فحص في الفترة الممتدة ما بين 2005 و2008 واعترفت الأخصائية العيادية أن معظم الحالات التي عانت من ويلات الإرهاب و التي توبعت بمركز بن طلحة في ظروف جد استثنائية ابتكرنا تقنيات جديدة لم ندرسها في الجامعة ،حالات تعافت في معظمها بشكل متفاوت و ساعدها القائمون على ذات المركز في الاندماج الاجتماعي و المهني. الهيئة الوطنية لترقية الصحة و تطوير البحث تعول كثيرا على مشروع كافل اليتيم الذي يأمل أصحابه في بلوغ 10 ألف يتيم معوز خلال السنوات القادمة في إطار سياسة جديدة للتكفل بالأيتام عن بعد دون الحاجة إلى وضعهم في مراكز و إبعادهم عن وسطهم العائلي و ما قد يتسبب في مضاعفة معاناتهم النفسية ...حلم لن يتحقق قالت الأخصائية العيادية دون التفاف المزيد من الشركاء من مختلف الهيئات إلى جانب الشريك الأساسي من دولة الإمارات العربية المتحدة والتي أعطى محسنوها بعمل خيري عفوي نابع من القلب دفعا قويا لهذا المشروع الخيري لكن مهما طالت قائمة أسماء المحسنين سواء من داخل أو خارج البلاد تبقى قائمة أسماء الأيتام الذين يحتاجون إلى لفتة رمزية أطول بكثير.