تحولت الاحتجاجات الاجتماعية التي اجتاحت مؤخرا العديد من البلديات، ودخلت مجددا عاصمة البلاد، إلى هاجس حقيقي يؤرق السلطات التي شرعت بشكل جدي في البحث، ليس عن الأسباب، كما هو مفترض، وإنما عن الجهات التي قد تكون وراء إشعال فتنة الشارع، بحيث يجري الحديث عن تحقيقات شملت 105 بلدية عرفت أحداث عنف، في وقت لا يزال الاختطاف يهدد أمن واستقرار منطقة القبائل. عرف حي ديار العافية بأعالي العاصمة أحداث عنف أعادت إلى الأذهان الأيام السوداء التي عاشها حي ديار الشمس المجاور له، وفي كل مرة تحمل المسؤولية لرؤساء المجالس المحلية، بحيث أسر بعض سكان الحي القصديري بأن اندلاع المشادات بدأ بعد استقدام »مير« القبة القوة العمومية من أجل هدم سكنات قصديرية، يقول أصحابها أنهم ليس لهم مأوى آخر غيرها، وبطبيعة الحال، فإن مثل هذه الحوادث تتحول إلى سبب حقيقي يجر الآلاف من الغاضبين، حتى من الذين ليس لهم علاقة بحي العافية إلى الانجذاب نحو العنف من أجل التعبير عن مطالب اجتماعية مستعجلة مرتبطة بالسكن أو قضايا أخرى لا تقل أهمية. وخلفت أحداث ديار العافية العديد من الجرحى بين المحتجين ورجال الشرطة، وإذا كانت السلطات نجحت هذه المرة أيضا في نزع فتيل »انتفاضة« أحياء القصدير التي تحوّلت إلى أحزمة للفقر تطوق جل المدن الكبيرة والمتوسطة وأحيانا المدن الصغيرة، فإن هذا الحل لن يعمر طويلا، وقد تواجه البلاد مستقبلا موجات أعنف وأخطر من حركات الشارع، موجات قد تصل إلى الأحياء الشعبية وتشعل مدنا برمتها. السلطات فضّلت التعامل مع احتجاجات القصدير بمنطق التحقيق البوليسي، والمقصود بمنطلق التحقيق البوليسي هنا، ليس القمع على اعتبار أن مواجهة العنف خيار لا بديل عنه في بلد فقد طعم الأمن عدة سنوات، لكن المقصود هو البحث عن الجهة التي تقف ربما وراء تحريك الشارع بحيث ذهبت بعض التحاليل في وقت سابق للحديث عن جبهة القوى الاشتراكية »الأفافاس« وعن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية »الأرسيدي«، وأحيانا عن جهات من داخل السلطة، تريد التغيير عن طريق الضغط باستعمال سلاح الشارع، وبالفعل عمدت السلطات إلى القيام بتحقيقات شملت المسؤولين فيما لا يقل عن 105 بلدية عرفت أحداث شغب في الفترة الأخيرة، مع العلم أن مصالح الأمن كانت قد رفعت تقارير مفصّلة إلى ولاة الجمهورية حذرتهم من خلالها من أحداث عنف قد تصاحب إزالة الأحياء القصديرية أو الكشف عن قوائم السكنات الاجتماعية، وكان لزاما على السلطات أن تفكر في حلول حقيقية لتفادي العنف لا أن تثير هذا العنف ثم تسعى لتسييسه الذي يعني رفع المسؤولية عن الجهات التي تتسبب في الاحتجاجات من خلال فشلها في التكفل بمصالح المواطنين. ومن دون شك أن مثل الأحداث المأساوية التي اجتاحت حي ديار العافية تحث فعلا على الإسراع بمراجعة قانون الجماعات المحلية من أجل ضبط صلاحيات كل أطرافها، وضمان أن تلعب المجالس المنتخبة دورها في التنمية المحلية وفي التكفل الحقيقي بالانشغالات اليومية للمواطنين، وهو ما جعل وزير الداخلية والجماعات المحلية دحو ولد قابلية يستميت في الدفاع عن التعديلات التي تضمنها مشروع قانون البلدية، خاصة فيما يتعلق بتوسيع صلاحيات »الأميار« وضبط إجراءات عملية لتفادي ظاهرة سحب الثقة التي تحولت إلى وباء ينخر عضد المجالس البلدية في العديد من جهات البلاد. ودائما وفي إطار البحث عن إثراء مشروع قانون البلدية دعا الأمين العام للأفلان، عبد العزيز بلخادم نواب الجبهة، خلال اللقاء الذي جمعه بهم، إلى العمل على إثراء المشروع الحكومي وضرورة إعادة الاعتبار للأميار، من منطلق قناعة الحزب العتيد بضرورة أن تعطى صلاحيات حقيقية لرؤساء المجالس المنتخبة بدلا من ترك الإدارة تتحكم في هذا المجالس بالشكل الذي يعوق سير العملية التنموية على المستوى المحلي، والحد من حالات سحب الثقة التي تتسبب في حالات الانسداد وضياع مصالح المواطنين. ولا يزال الملف الأمني يغطي الجزء الأكبر من الأحداث الوطنية أو الدولية، ويبدو أن المسيرة التي قام بها سكان فريحة بتيزي وزو كانت عبارة عن رد صريح على المجموعات الإرهابية التي حوّلت اختطاف بعض الأثرياء خاصة بمنطقة القبائل إلى تجارة تقتات من عائداتها، ومحاولة تملص زعيم تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، عبد الملك درودكال، من جرائم الاختطاف التي تستهدف خصوصا المقاولين وأفراد عائلاتهم بولاية تيزي وزو تحديدا، هي مجرد محاولة للكذب على المواطنين في منطقة تشهد تجندا شعبيا ضد المجموعات الإرهابية، ومحاولة لتفادي عودة الدرك الوطني إلى منطقة القبائل، على اعتبار أن انتشار ظاهرة الاختطافات واكبت انسحاب الدرك الوطني من المنطقة. والواقع أن أعمال الاختطاف قد أضحت تمثل النشاط الوحيد تقريبا لزمر التنظيم الإرهابي، فالتضييق الذي تواجهه المجموعات الإرهابية في كامل المناطق الشمالية من البلاد، قلص من رقعة نشاطها وقطع عنها مصادر التمويل أيضا، وهو ما يفسر انتقال النشاط الإرهابي إلى المناطق الجنوبية، وتحديدا إلى منطقة الساحل الصحراوي التي تحولت إلى معاقل رئيسية لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، مما دفع ببعض المتتبعين والعارفين بالملف الأمني إلى الحديث عن احتمال درودكال إلى معاقل التنظيم بشمال مالي، مخافة أن يتعرض إلى عملية انقلابية تطيح به من على رأس التنظيم لصالح القيادات الإرهابية الفاعلة على غرار عبد الحميد أبو زيد الذي يوصف بأنه أكثر قيادات التنظيم تشددا وميلا إلى سفك الدماء والتعرض للمصالح الأجنبية والرعايا الغربيين. ويبدو من خلال التصريحات التي أدلى بها مؤخرا رئيس مالي للتلفزيون الموريتاني أن باماكو قد تحولت إلى أشبه ما يكون ب »الأطرش في الزفة«، كما يقول المثل الشائع، فما يدور في شمال البلاد من وجود عسكري أجنبي موريتاني وفرنسي يخرج عن نطاق سيطرتها، وقد عبر ممادو توماني توري عن ذلك بالقول إن بلاده لم تكن على علم بالعملية العسكرية الفرنسية-الموريتانية الفاشلة لتحرير الرهينة الفرنسي ميشيل جيرمانو، وهو ما يتناقض تماما مع تصريحات للرئيس الموريتاني الجنرال محمد ولد عبد العزيز الذي زعم في وقت سابق أن التواجد العسكري الموريتاني بشمال مالي خضع للاتفاق مع باماكو في إطار التعاون في الحرب على تنظيم القاعدة ببلاد المغرب، مع هذا واصل رئيس مالي يقول إن بلاده تدعم قيام دول الساحل الأربعة أي الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا بعمليات عسكرية مشتركة ضد معاقل الإرهاب. ولا يزال الهجوم العسكري المغربي على مخيم الصحراويين بأكديم إزيك قرب العيونالمحتلة يلقي بظلاله على الدبلوماسية المحلية وحتى الدولية، وخلافا للحملة المسمومة والدعاية المغرضة التي قامت بها الرباط بغية تزوير حقيقة ما حصل، والادعاء أن الجزائر هي من فبركت الأحداث إلى جانب جبهة البوليساريو، كما جاء على لسان وزير الخارجية المغربي عباس الفاسي الفهري، أدان البرلمان الأوربي المجزرة المغربية وأكد أنه لا بديل عن تحقيق أممي مستقل لمعرفة ما حصل بالضبط بمخيم العيونالمحتلة، وهذه الإدانة تعتبر انتكاسة أخرى للدبلوماسية المغربية، انتكاسة تقضي على الخطاب المغربي المغالي في اتهام الجزائر، وتؤكد وجوب تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته في الصحراء الغربية والتخلي عن سياسة الكيل بمكيالين، وسياسة غض الطرف عن الجرائم والانتهاكات الخطيرة التي ترتكب بحق الشعب الصحراوي الأعزل في الأراضي الصحراوية المحتلة.