مخطط تفتيت البلاد العربية ماض قدما، فبعد التسليم بأن قدر جنوب السودان سيكون الانفصال بعد الاستفتاء الذي سيجري خلال أسبوعين، جاء تعيين مبعوث أمريكي خاص إلى دارفور ليكشف عن حقيقة النوايا تجاه السودان، وبالتزامن مع هذا أعلن رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني عن تمسك أكراد العراق بحق تقرير المصير. هناك ظروف وحسابات قد تؤجل تنفيذ هذه المخططات لكن من الواضح أن قوى الاستكبار العالمي بقيادة أمريكا لن تتخلى عن تفتيت العرب والمسلمين الذي تعتبره هدفا استراتيجيا، وإذا كان انفصال جنوب السودان قد استغرق سنوات طويلة من الحرب ومن محاولات التدخل فإن هناك سعيا إلى تسريع العملية في دارفور، وإذا لم تكن الظروف اليوم مواتية لإعلان قيام دولة كردية في شمال العراق فإن المشروع لن يدفن بهذه البساطة لأنه مرتبط بالهيمنة على المدى البعيد. بعض أدعياء الديمقراطية يقولون ماذا لو انفصل جنوب السودان ؟ سيكون ذلك تخلصا من عبء ثقيل، وهم يقولون أيضا لماذا لا تقوم دول كردية؟ فكردستان وحدة طبيعية مستقلة بحكم الجغرافيا، وسيكون مستقبل العراق أفضل دون أقلية مزعجة ومتمردة، وربما زاد البعض وقالوا وحتى انفصال دارفور لا يؤثر على أوضاع السكان في شيء لأن تفكيك الأنظمة غير الديمقراطية سيكون نافعا في كل الأحوال ولو على حساب الوحدة الوطنية الشكلية، غير أن المشكلة ليست بهذه البساطة. التقسيم هو مدخل لمزيد من الحروب الأهلية، وهو سلاح أمريكا للتدمير بعيد المدى، فنذر الحرب بدأت تظهر في سماء السودان، وحكومة الجنوب ستستعمل كخنجر في خاصرة السودان يتم تحريكه في كل حين، وحكومة كردستان العراق ستكون سلاحا في وجه تركيا، لأن دولة للأكراد في العراق لن تضعف العراق الذي لم تعد الدولة قائمة فيه بل تضعف الدول القائمة في جواره، ولن يكون الأمر نصرا للأكراد لأنهم سيجبرون مرة أخرى من قبل قادتهم الذين يخدمون أمريكا على لعب دور الدروع البشرية التي تتلقى الضربات بدلا عن الغزاة القادمين من الخلف، وسيكون الأمر في النهاية هزيمة نكراء للديمقراطية وحقوق الإنسان. هذه هي المخاطر التي تجعل عملية التقسيم الجارية الآن عدوانا صريحا يجب التصدي له بكل الوسائل الممكنة.