أصدرت الإعلامية مرزوقي سامية، مؤخرا، أول كتاب قيم لها في موضوع جديد فكرة وطرحا ومحتوى. حيث تناولت فكرة لازالت خاما في الصورة الإعلامية الجزائرية موضوع يستحق الوقوف عنده بإمعان. إنه موضوع الصناعة الثقافية والإبداعية. مصطلح صناعة الثقافة بالصورة التي طرحته في كتابها يطرح تصورا جديدا لمفهوم الثقافة والإبداع الثقافي عموما سواء من حيث التسمية "الإبداع الثقافي" أو أسلوب تناول الموضوع في حد ذاته –طرح جديد وجريء معا يختلف عن المشهد الثقافي الذي نحياه، حيث ترى بأن مفهوم التسويق الثقافي لا يزال دخيلا على المفردات الثقافية المتداولة. والذي قبل بالرفض من لدن رجال الثقافة والفكر عموما. فهو بعيدا عن قانون العرض والطلب الذي تحكم السلع الأخرى غير الطابع الثقافي. مبررة ذلك كون المنتجات غير الثقافية لها خاصية الاستهلاك والربح والخسارة معا. واختلاف الجمهور المتعاطي ثقافيا عن الجمهور المتعاطي مع السلع والعروض التجارية الأخرى، وإخضاع الصناعة الثقافية لقانون السوق الذي يعتمد الكم والكيف، والذي من شأنه أن يقلل من قيمة المنتوج الثقافي كمنتوج فكري وقيمي معنوي رفيع. كما ترى الكاتبة أيضا بأن أساليب الدعاية المطبقة تفقده قيمته وأهدافه. استنادا إلى بعض الأساليب المبتذلة في الترويج لها. كون المنتوجالثقافي يختلف عن الرأس المال الاقتصادي باختلاف نوعية وقيمة السلعة المروج لها، وطريقة تلقيها. ربما كانت هذه نظرة الاقتصاديين أنصار الربح والخسارة. رغم تحقيق أرباح هائلة في كثير من الدول في الدخل القومي لها، كبعض الدول المتقدمة إعلاميا واقتصاديا معا. واستندت في مقاربتها هذه انطلاقا من جملة من الإشكاليات منها: ما مدى التوفيق بين الموفقين المتعارضين؟. وما مدى إمكانية استخدام تقنيات واستراتيجيات التسويق عموما في الصناعات الثقافية؟ والإبداعية بصفة أخص؟. وماهر دور العنصر البشري في تفعيل وتطوير المنتوج الثقافي؟ سامية مرزوقي إعلامية التخصص والانتماء، نقلت لنا تجربتها الثرية وعصارة فكرها وثمرة 22سنة في قطاع الإعلام عملا ومشاركة من ولاية خنشلة، التي تزخر بكل الخامات الثقافية والسياحية. لها باع طويل في تخصصها، حاولت من خلال هذه المقاربة أن تنقل لنا تجربتها وخبرتها وانشغالها معا. كونها متحصلة على شهادة الليسانس في الإعلام والاتصال دفعة 1994اختصاص اتصال وعلاقات عامة. فضلا عن ذلك فهي صاحبة قلم وكاتبة جريئة لها مكانتها في سماء الإبداع عموما. تؤمن برسالتها الإعلامية وتطمح أن تضيف لبنة في المشهد الثقافي الوطني عموما والمحلي الخنشلي خصوصا. ولا ترى من موقع عملها كموظفة في دار الثقافة بأن دورها يقتصر فحسب على الأعمال الإدارية والبرمجة فقط للنشاطات المقترحة. لكنها تتحرك بشغف كبير، واختصاصها في مسرح الطفل، حيث تعد واحدة من مؤسسيه سنة 2008 فهي عضوة بمحافظة المهرجان من 2004 إلى غاية سنة 2010 بامتياز. لها مشاركات فعالة في هذه المهرجانات إعدادا وتنظيما وإشرافا. كما تعد مقاربتها هذه إضافة جديدة في البحث الثقافي والإعلامي عموما، على ضوء المنظور الجديد لمفهوم الثقافة والإبداع الحالي. هذا المؤلف يعد أول إصدار لها بعد بحث مستفيض دام قرابة 22سنة وهي الآن منكبه على عمل جديد سيرى النور قريبا بعنوان "الاتصال داخل المؤسسات الثقافية -بين الفاعلية وعدم الجدوى-"، وهو امتداد لهذه المقاربة. كما أن لها مشاركات فعالة في بعض اليوميات الوطنية كجريدة "الأصيل" الناطقة بالعربية من 1994 على غاية 1996، وبعض المواقع الالكترونية لها بصمتها في إدارة دار الثقافة "علي سوايعي" بخنشلة، كموظفة إدارية ومساهمة إعلامية وناشطة بامتياز في تفعيل وتنظيم وتأطير كل التظاهرات الثقافية المقدمة بها. وخلال تصفحنا لكتابها الموسوم "الصناعة الثقافية والإبداعية" والتي طرحت من خلاله مقاربة حول الثلاثية التقليدية التالية: النشاط الثقافي والمنتوج الثقافي والمؤسسات الثقافية. في تحليل معمق لأهم الفرقات الجوهرية بينها، وتعرضت من خلال ذلك إلى كل أشكال الفنون الفكرية المكتوبة والمسموعة. والسمع البصري وأثره في تشكيل المشهد الثقافي والرصيد المعرفي، حيث كان الهدف من كل ذلك في تصور الكاتبة هو: إعطاء مكانة ومفهوم للصناعة الثقافية بمختلف تشكيلاتها وأصنافها. وترى المؤلفة بأن المفهوم التقليدي قاصر على تحديد المفهوم الحالي للثقافة الإبداعية. كونه قد أقصى كثيرا من المجالات التي أوجدتها التكنولوجيا الحديثة في السوق عموما كما أعطت شروحا مستفيضة لبعض المفردات الواردة في البحث، واستدلت على ذلك ببعض الشركات الرائدة في والصناعة الثقافية مثل شركة "دال" لصناعة الحواسيب، وشركة ميكروسوفت للبرمجيات. وهنا حاولت أن تزاوج بين جانبين هامين من الصناعة الثقافية وهما جوهر المقاربة المطروحة. واستندت إلى مراجع عالمية ونماذج حية في التطور الصناعي والثقافي مثل دولة الصين واليابان، أو ما يعرف بعولمة التجارة الثقافية. كون دولة الصين تعد من الدول الرائدة المصدرة للمنتجات الثقافية في العالم. واستندت إلى جملة من الإحصائيات الصادرة عن منظمة اليونسكو في هذا المجال . وتطرقت في الفصل الثاني إلى مقاربة تسويقية بين مجال الثقافة والفنون عموما وأهم مكونات التسويق الثقافي بين الطريقة الكلاسيكية والطريقة الحديثة. والمفاهيم المتداولة في الأسواق العالمية كالتسويق، باعتباره نشاط إنساني والذي مساعد على تدفق السلع والخدمات من المنتج إلى المستهلك والمشتري الصناعي أيضا، بغرض إشباع حاجيات كل أطراف المعادلة. حيث أدرجت مفاهيم تبدوا جديدة في التداول كمفهوم المزيج الترويجي والعوامل المؤثرة على اختيار هذا المزيج، ومفهموم "دورة المنتج.التخطيط للتسويق" وتناولت في المبحث الثاني "مفهوم التسويق الثقافي"، أي ما يعرف بالمشاريع الثقافية وعرضت لنا نظرتين اثنتين، أولهما محدودة النطاق وثانيهما واسعة النطاق. وحللت من خلال الوجهتين السابقتين بأن المشاريع الثقافية تتفاوت وتختلف باختلاف نوع المنتج والإنتاج معا.. وخلصت في مقاربتها هذه إلى ما يلي: "..كون التسويق التقليدي يخلق منتجا وفقا لاحتياجات المستهلك. بينما التسويق الثقافي يخلق المنتج الفني أولا ثم المستهلكين الملائمين..". وهذا هو المعيار النوعي المستهدف في تطوير الصناعة الثقافية عموما. ولعلها ميزة نوعية نفتقدها اليوم في السوق الثقافي -إن صح التعبير- كون الاهتمام بإنتاج المنتج النوعي كفيل بان ينتج لنا متنوجا نوعيا. كما أسهبت في شرح بعض المفردات المتداولة في الحقل الثقافي مثل: السعر- التوزيع- الترويج ...إلخ. وختمت بحثها في الفصل الثالث بعنوان "الاستراتيجيات التسويقية في المجال الثقافي"، حيث أكدت بأن الصناعات القافية والإبداعية قوة جديدة لدفع النمو في التنمية المستدامة . مؤلف سامية مرزوقي أكاديمي يتوفر على جملة مراجع قيمة وتهميش أكاديمي. ودراسة وافية جديرة بالمطالعة والاهتمام. يمكن أن تكون مرجعا أو ورقة طريق لكل الباحثين في مجال الإعلام. كما يعد هذا الموضوع جديدا من حيث التسمية والاصطلاح، وأسلوب التناول كذلك يتوزع على 106 صفحة من القطع المتوسط.