تزامنت الرحلة مع توديع سنة 2020، وهي تطوي أيامها الأخيرة، وقد صنعت تلك الأيام الاستثناء بكل المعايير، أوقفت المخططات وغيرت كل البرامج، عام حمل في طياته أحداثا أربكت كبرى القوى في العالم وحولت أبسط الأشياء إلى أصعبها، انتشار كوفيد 19 كان الضربة القاضية للسياحة العالمية والمحلية بسبب الحجر الصحي الذي فرضته السلطات طيلة أشهر. أشهر قليلة من تنفس القطاع بعد منح التصريح للوكالات السياحية بتنظيم رحلات داخلية، أثار القرار باديا من خلال النشاط المكثف للوكالات السياحية خاصة مع تزامن الانفراج وعطلة نهاية السنة، الحركية التي تعرفها العاصمة، اليوم، لا تقل عن نشاط الوكالات السياحية، فساحة أول ماي تضج بجموع غفيرة من الوافدين من كل أقطار الوطن، حافلات ممتلئة عن أخرها، أخرى لم تجد مكان لتركن، والبعض تسعد للخروج، المكان تعتليه أصوات جر الحقائب، لن تجد دليلك إلا من خلال اللافتات المكتوبة بخط عريض تنطق بوجهة الحافلة، بسكرة، غرداية، جنات..، بعد دقائق نصل مع زملائي الصحفيين إلى حافلة "واد سوف" وجهتنا، استقبلنا صاحب وكالة "كادي قلوبال" دامون موسى بهدية ترحبيب وشاح الذي يرتديه سكان الصحراء "الشاش"، تزاحمنا على اختيار الألوان، لنتجه في تمام الساعة التاسعة إلى الحافلة استعدادا للانطلاقة إلى مدينة ألف قبة وقبة بعدما تحدثنا مع صاحب الوكالة " كادي قلوبال" عن واقع السياحة في البلاد عموما، والمعالم السياحية التي تزخر بها هذه الولاية، كما تطرقنا إلى تفاصيل برنامج المسطر. صعد الجميع إلى الحافلة بعد مغامرة لاختيار الأماكن، فالكل كان يبحث عن مكان مريح ومطل على النافذة للاستمتاع بالمناظر الطبيعية التي سترسم على طول الطريق. انطلقت الحافلة، لتنطلق المرشدة السياحية معها بطرح الأسئلة عن وجهتنا، وعن المعالم السياحية التي تزخر بها هذه الولاية، ليتفق الجميع على أن واد سوف مدينة تجارية بدرجة أولى قبل أن تكون قبلة سياحية، لتستدرك المرشدة السياحية أإيمان كلامهم قائلة: "أغلبنا يتبادر إلى ذهنه السؤال التالي بعد معرفته بتنظيم رحلة سياحية إلى "واد سوف"، ما الذي سنكتشفه من الناحية السياحية في واد سوف؟" اختلفت الإجابات منها الصحيحة ومنها الخاطئة بل البعض توجه للبحث في الانترنت عن أهم المعالم السياحية في هذه الولاية، رغم ذلك فضلت المرشدة أن تجيب من خلال المحطات المبرمجة خلال الرحلة. بعد حديث ونقاش دام لساعات تعرفنا على السواح في الرحلة، عائلات بأكملها، شاب في مقتبل العمر، نساء من كل الفئات العمرية. انهينا الحديث والنقاشات الطويلة لنسلم الكلمة للصمت الذي خيم على الحافلة لساعات، لتقطعه صوت المرشدة طلبة منا النزول لتناول وجبة الغذاء، وأخذ قسط من الراحة في إحدى المطاعم على مستوى الطريق السريع. الساعة كانت تشير إلى الثانية زوالا، لنعود للحافلة لمواصلة الرحلة، الملفت للاهتمام على طول الطريق هو الإجراءات الأمنية الصارمة من طرف الدرك الوطني، حيث كانوا يقفون الحافلة في كل مرة لتفقد مدى التزام السواح بالإجراءات الاحترازية لتفادي انتشار الوباء، إذ كان الدرك يدخل للحافلة ويتفقد الركاب واحدا واحدا، الأمر الذي أدى إلى تضيع الوقت في هذه البرتوكولات المشددة التي أثرت بشكل أو بأخر على مشاعر الركاب خوفا من أي إجراءات صارمة كالتي عاشها السواح المتجهين إلى "تاغيت" بولاية بشار، أين اصدر رئيس البلدية تعليمة تمنعهم من دخول الولاية بسبب انتشار الوباء مما وضع السواح وأصحاب الوكالات السياحية في وضع محرجة. الساعة كانت تقارب الحادية عشر ونصف ليلا، ركنت الحفلة أمام فندق "لوس" وسط مدينة الوادي، وصلنا أخيرا لمدينة ألف قبة وقبة، أول إحساس يراودك عند وطأة قدمك أرض السوفيين ليلا ، شدة البرد الذي كان يخفف منه ابتسامة الاستقبال وكلمات الترحبيب من طرف العمال بالفندق. انسجام كبير لأصوات الآذان المتعالية..وكأنها قبلة الله في الأرض وُجهنا إلى غرفنا، لنغرق في نوم عميق، فالهدوء الذي تنعم به هذه المدينة ليلا، يسحرك ويأخذك لنوم مريح، فبعد يوم متعب من السفر والتنقل الحافلة أخر شيء كنت سأفكر فيه هو القيام لصلاة الفجر، لكنك ستستفيق دون شك على أصوات آذان صلاة الفجر، الذي سيشعرك وكأنك في البقاع المقدسة، ما أثار انبهاري وأدهشني هو امتزاج عدة أصوات الآذان من عدة مساجد في وقت واحد، ما يوحي إليك وكأن كل قبة من قباب هذه المدينة يصدح بأذان منفرد، لتنسجم كل الأصوات مع بعضها وكأنها تحثك على القيام لأداء صلاة الفجر وتشحنك بروحانية عالية. أول يوم في مدينة الرمال الذهبية، التاريخ 30 ديسمبر، يوم يفصلنا على نهاية سنة ثقيلة على كل الجزائريين وسكان المعمورة، يشعرك حماس السواح أنهم عازمون على توديع السنة بكل شيء جميل وممتع وقطع كل أواصل الحجر المرض والخوف من وباء عجز كل التقدم والتطور الذي حققه الطب أمام جبروته، فلا تسمع من "دردشاتهم" إلا أحاديث عن الأماكن التي سنزورها في هذه المدينة، ليقطع صوت المرشد السياحي كل حديث ليشرح لنا أهم المحطات التي سنتوقف عندها اليوم. الجميل في البرنامج تفضيل التوجه لزيارة فندق "ترانزات" الأثري مشيا على الأقدام ما يسمح لك بالتعرف عن قرب على المدينة، هي مدينة نهارها عكس ليلها فهي مدينة تميزها الحركية الكبيرة ما ينسيك للحظات أنك في مدينة صحراوية، فقد لا يتجادل اثنان على أنها مدينة تجارية بامتياز، وصدق من شبههم بجريان الماء في الوادي، فحياتهم تتسم بالنشاط، الحيوية، التنقل والتجارة. فندق ترانزات العتيق..أول فندق في الجنوب الجزائري بعد ما يقل عن 20 دقيقة نجد أنفسنا أمام فندق " ترانزات" العتيق، اثأر الترميم بادية والاهتمام به كمعلم سياحي ظاهر من خلال التفاصيل الصغيرة، تفصيل ساهمت في إبراز النمط المعماري الفريد من نوعه، تحكى من خلالها تفاصيل حقبة تاريخية مهمة في هذه المنطقة، حسب معلومات الدليل السياحي هو أول فندق في الجنوب الجزائري وليس فقط في واد سوف، أكثر من 130 سنة من الوجود بناه مصمم أوروبي، بني بسواعد خبراء السوفية، القبة التي يتميز بها الفندق هو من أصل "ديزاين عثماني" صمم خصيصا لمقاومة الجو الحار في المدينة صيفا والبارد شتاءا، استعمل في عملية البناء الحجر،الجلد، الرمال ووردة الرمال، كما فكروا في بناء توزيع متساوي على القبة لتقسيم متساوي لأشعة الشمس حول قبابه. في إحدى الزوايا الأربعة للفندق تتربع صومعة شاهقة الارتفاع مقارنة بعلو الغرف، يمنحك الصعود إليها للاستماع منظر يختزل كل المدينة في عينك ويؤكد لك أنك في مدينة الألف قبة وقبة من كثرت عدد القبب المتساوية الانتشار على سطوح البنايات التي لا تزال تحافظ على هذه الميزة. المعلم التاريخي استقبل خلال نشاطه شخصيات سياسية معروفة أهمهم الرئيس الراحل هواري بومدين في رحلة له إلى الولاية، كما نزل فيه شارل ديغول وغيرهما من الشخصيات التاريخية المعروفة. سوق "لقداوير" قبلة كل باحث عن المنتجات التقليدية بالولاية نزل درج الصومعة وقد كبر في داخلينا شغف اكتشاف هذه المدينة السياحية، وليس ببعيد عن فند "ترانزات" الأثري دخلنا سوق "القداوير" الشعبي، ما يميزه هو لطف التجار في التعامل مع السياح والمفاوضات اللطيفة بين الطرفين وفي كثير من الأحيان كان التاجر يتسامح مع السائح قائلا بابتسامة لطيفة " معليش أختي مرحبا بكم عندنا"، ما يجعلك تشترى منتجاتهم التقليدية التي تنبع من أصل المنطقة، حيث يتميز السوق بعرض أجود أنواع التوابل والأعشاب الطبية، التجميل وحتى الطبية منها، ناهيك عن عرض الألبسة التقليدية وانتشار الحلويات متنوعة تضعك أمام موقف صعوبة تفضيل نوع عن نوع أخر، والفول السوداني لن تخرج السوق إلا وأنت محمل به. داخل الدينامكية الكبيرة التي يعيشها السوق الشعبي، يمكنك أخذ قسط من الراحة وشرب الشاي السوفي الأصيل في مقهى "زقاق البيرو" أقدم سوق بوادي سوف، يعرف المقهى نشاطا كبيرا ويستقبل يوميا جموعا كبيرة من السواح من كل حَب وصوب، فحفاظه على الديكور التقليدي ساهم في التعريف به بين الوافدين، ويؤكد رزوق السعيد، صاحب المقهى على أن المقهى متواجد منذ 1930 وكان في فترة الاستعمار الفرنسي ملتقى للمجاهدين، وتعود تسميته أساسا لوجود مكتب للتجنيد خلال الفترة الاستعمارية، وأضاف مسترسلا في الحديث عن حقبة ما قبل الاستعمال قائلا:" هناك رواية متوارثة مفادها أن المقهى كان عبارة عن إقامة لعائلة يهودية ثرية وبورجوازية في فترات غابرة، لكنه تحول إلى مقصدا للمجاهدين إبان الثورة التحريرية وكذا ملتقى الأحزاب السياسية المطالبة بالاستقلال، فقد كان المقهى ملتقى لمناقشة تحديات الحقبة التاريخية الصعبة. أكد صاحب المقهى، أنه تلقى عروض عديدة وأرقاما مالية خيالية من أجل التخلي عن فكرة المقهى لكنه رفض وفضل التمسك بالفكرة المقهى. تركنا عمى رزوق منشغلا بالسواح الذين لم تستوعب ساحته عدد الكبير للوافدين لنتجه إلى الزاوية الرّحمانية، المتصلة بالسوق الشعبي، فالبنيات فيه متصلة فيما بينها لتشكل أروقة في كل رواق تاريخ وتراث تنسيك في الرواق الذي سبقه، دخلنا من الباب الكبير للزاوية الرحمانية لندخل معها عبر بوابة التاريخ لنعود إلى تاريخ الذي أسست فيه هذه الطريقة التي أسست على يد أبو العباس احمد بن محمد بن المختار بن سالم التيجاني المتوفى في 1230 ه ، وأهل هذه الطريقة كباقي الطرق الصوفية يجيزون التوسل بذات النبي، وقد بدأت هذه الطريقة في مدينة "أبي سمغون" وصار لها أتباع في الجزائر والمغرب وتونس ومصر وفلسطين والشام والسودان(دارفور) والسنغال ونيجيريا. وحسب المعلومات المقدمة لنا فإن مؤسس التجانية هو أبو العباس أحمد بن محمد بن المختار ابن أحمد بن محمد سالم التجاني، الذي ولد عام 1150 ه الموافق ل 1737 ميلادية في قرية "عين ماضي" بالجزائر، وحفظ القرآن الكريم كما درس العلوم الشرعية وارتحل متنقلا بين فاس، وتلمسان، وتونس، والقاهرة ومكة، والمدينةالمنورة، ووهران. ولم يكتف أحمد التجاني، بالرصيد الفقهي والصوفي الذي حصل عليه بمسقط رأسه في المغرب الأوسط بالجزائر، فشد الرحال إلى مدينة فاس سنة 1171 ه الموافق ل 1758م، وبهذه المدينة الإدريسية ذات الأهمية العلمية، والرمزية التاريخية، والشحنة الروحية القوية، كان العلامة سيدي أحمد التجاني يحضر مجالس العلم ويحاور كبار علماء المدينة، وإن كان اهتمامه انصب على الجانب الروحي أكثر من أي شيء آخر، وقد إلتقى فيها بالشيخ الولي الصالح نجل العارف الرابح سيدي عبد الله بن محمد العربي بن أحمد بن عبد الله معن الأندلسي رحمه الله من أكابر علماء وقته ،لقيه وتكلم معه في أمور ثم لما أراد أن يودعه دعا له بخير الدارين ،وقبل افتراقهما قال له : الله يأخذ بيدك ثلاثاً. وفي عام 1196 ه، أنشأ طريقته في قرية أبي سمغون، و بعد ذلك صارت فاس المركز الأول لهذه الطريقة، ومنها انتشر إشعاعها إلى عموم إفريقيا. ومن أبرز الآثار التي خلفها أحمد التجاني لمن بعده زاويته التجانية في فاس وكتاب "جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التجاني" الذي قام بجمعه تلميذه علي حرازم برادة. لما توفي إنتقلت الوصاية إلى ولديه محمد الكبير ومحمد الصغير إلى محمود بن علي التونسي، ولما قتل محمد الكبير في أثناء حروبه في الجزائر تولى محمد الصغير وأخذ بنشر دعوته في الصحراء الكبرى ولم ينخرط التيجانيون في سلك جيش الأمير عبد القادر في الجزائر ولما مات محمد الصغير عام 1844 إنتقلت الطريقة إلى ابنه الذي توفي عام 1853 وظلت التيجانية تهادن السلطات الفرنسية في الجزائر. في القرن التاسع عشر لعبت التيجانية دورا هاما في غرب القارة عندما إعتنق مبادئ هذه الدعوة الحاج عمر الفوتي التكروري الذي سلك نفس طريقة القادرية ونجح في تأسيس دولة إسلامية في غرب القارة في منطقة فوتاتوروا ودى دورا بطوليا في نثر الإسلام ومقاومة القوى الأجنبية حتى استشهاده عام 1864. الزاوية التجانية..واحدة من أهم المعالم السياحية بالوادي خرجنا من الزاوية الرّحمانية لنفتح نقاشات عن الروايات التي تناقلت عن الطريقة التجانية، لنصل إلى مقر الزاوية التيجانية بمدينة قمار، واحدة من أهم المعالم التاريخية في الولاية، وحتى بالنسبة للطريقة التيجانية في العالم، والتي تعد من أكثر الطرق الصوفية انتشار في العالم الإسلامي كونها أول زاوية لها في العالم، إذ لابد لأي زائر للولاية وأن يعرج على هذا المعلم التاريخي الذي يعد تحفة فنية في العمارة والزخرفة الإسلامية. ويعود تاريخ تأسيس مبنى الزاوية الذي يقع حاليا في الضاحية الشرقية من مدينة قمار حسب المخطوطات الموجدة في مكتبة الزاوية، إلى الثلاثي الأخير من سنة 1789 م أي ما يوافق سنة 1204 ه، وكان ذلك على يد المقدم – درجة من درجات الالتزام في الطريقة التيجانية – محمد الساسي القماري، وبأمر من مؤسس الطريقة التجانية الشيخ سيدي احمد التجاني، وبنيت النواة الأولى للزاوية على شكل قاعة مربعة طول ضلعها تسعة أمتار، وبقيت ثمانون سنة على تلك الشاكلة أي إلى غاية العام 1869 خارج السور الشرقي للمدينة، وكان دورها الديني يقتصر آنذاك على الصلوات الخمس وتلاوة القران الكريم. وفي سنة 1869 تمت التوسعة الأولى للزاوية في عهد خليفة الطريقة الشيخ سيدي محمد العيد الأول، والذي أمر ببناء المسجد المعروف باسم مسجد سيدي عمار، وكذا المقر الاجتماعي للزاوية، وهو مكون من طابق علوي والذي يعد الأول في منطقة وادي سوف، وتزينه زخارف ونقوش جميلة خاصة القبة الكبرى للمقر الاجتماعي للزاوية من إبداع الفنان احمد بن الطاهر والذي تعلم على يد عمر قاقة ابن مدينة قمار ناقل حرفة النقش على الجبس التي برع ومازال يبرع فيها بناء مدينة قمار فيها ليس على المستوى المحلي فقط بل حتى على المستوى العالمي، وفي أواخر القرن 19 أمر خليفة التيجانيين وقتها سيدي حمة، بإنجاز الدار الخضراء والتي خصصت لاستقبال الزوار وتدريس شتى العلوم الدينية، كما بني في تلك الفترة ما يسمى بالحوش الشرقي وهو ملحق بالزاوية، كما استمرت التوسعات والزيادات على مرافق الزاوية كالمجمع العمراني "حوش أسيادنا". وكانت آخر عملية تجديد للزاوية قبل نحو عشرة سنوات، في عهد الخليفة الحالي الشيح سيدي محمد العيد، وتمت في هذه المرحلة صيانة وتجديد كامل المباني التابعة للزاوية تقريبا. ودعنا الزاوية التجانية وقد الظلام قد خيم على أرجائها ليسود الهدوء على كل المدينة لنتجه إلى فندق "لوس" ونحن نجمل أجمل صور في الذاكرة على مدينة يتحول كل مكان فيها إلى قصة وحكاية يضرب جذورها في عمق التاريخ. احتفالات مميزة بعاصمة الرمال الذهبية توديعا لأخر يوم في السنة أشرق شمس أخر يوم للسنة، أصعب 12 شهر مرة على الجيل الجديد، وكان الشروق الجميل يحاول تدفئة نسمات الهواء الباردة، ومنبئ بيوم لا ينسى في عاصمة الرمال الذهبية، الساعة كانت تشير إلى العاشرة صباحا، عدد كبير من السيارات رباعية الدفع أمام الفندق، صعدت أنا وزميلاتي الصحفيات، بعد دقائق نصل إلى فندق التجاني، حركة غير عادية، ساحته مكتظة عن أخرها، أكثر من 72 سيارة رباعية الدفع، حركة كبيرة، حين استفسرت عن الأمر، فهمت أن الوكالات السياحية نسقت مع بعضها من أجل إنجاح عطلة نهاية السنة بالولاية، ألاف السواح، الكل منهمك في شيء ما، أخذ الصور، الرقص، الأحاديث التعارفية ، ساحة فندق التجانية جمع 48 ولاية، اختلفت اللهجات وانسجمت الضحكات لنشد الرحال إلى صحراء "دوار الما" البلدية التي تقع على بعد كيلومترات على الحدود التونسية. سباق استعراضي للسيارات رباعية الدفع على الرمال العسجدية السوفية بعد أكثر من ساعة ونصف من الرحلة، تدخل السيارات رباعية الدفع الصحراء في شكل سباق استعراضي على الرمال العسجدية، وتعتلي الكثبان الرملية لترسم صورة عنوانها المتعة والترفيه وكأن الرمال السوفية ترحب بنا في شاسعة صحرائها، حضينا باستقبال مميز، حيث نصبت لنا الخيم وسط الكثبان الرملية، تتوسطها فرقة فلكلوية لتعزف أجمل الألحان الصحراوية الأصيلة،مرفوقة برقصات " الزقايري" التي يقوم بها الرجال مستعملين بنادق تقليدية "الغرابيلا" ممزوجة بنعمات الطبل والغيطة. انتشرنا في الصحراء أين اتجه البعض للأخذ الصور التذكارية، والبعض الأخر للتزحلق على الرمال، بينما فضل البعض الاستمتاع بالجلوس في الخيم وارتشاف الشاي الصحراوي الأصيل، في حين انصهر أغلب الشباب مع الألحان الموسيقية ليرقص كما لم يرقص من قبل. بعد بتناول وجبة الغذاء فضلت الأغلبية تسلق الكثبان الرملية لمشاهدة غروب الشمس السوفية وهي تودعنا على رمال "دوار الما" الساحرة، هي لحظات مرت بسرعة البرق حيث كان الجميع يسابق الزمن لأخذ أجمل الصور لنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي أو الاحتفاظ كذكرى جميلة تشهد على مرورهم من هنا في يوم ما. ودَعتنا الشمس بصورة ساحرة عُلقت في الأذهان، ليخيم الليل وتنطلق الاحتفالات مودعين أصعب سنة بأجمل يومين من أرض الغزال الذهبي، على أمل أن نلتقي بها في الأعوام القادمة في تغطية كأفضل وجهة سياحية عالمية وهي قد صنعت الحدث عالميا كما صنعته محليا هذه السنة.