هناك مقولة رائعة تطلق على الطباخ، تقول: »إن الطباخ صدره للنار وظهره للعار«، ومعنى هذا أن الطعام إذا كان لذيذا وشهيا واستمتع بها الآكلون، سوف يدفعون المال لصاحب المطعم وحق الخدمة للنادل .. وإذا لم يكن الطعام لذيذا وسيئ الطعم والمذاق، انهال الناس على الطباخ بالشتم والسب واللعن. الأفلان يجد نفسه اليوم في وضعية الطباخ، صدره للنار وظهره للمنشار، وعليه أن يجتهد ما استطاع لتكون الإصلاحات القادمة في مستوى تطلعات الناس، فإذا لم تكن كذلك سوف يجد نفسه في عين الإعصار. هذا الكلام ليس من باب المبالغة أو التهويل أو التضخيم أو التشاؤم إنما مفروض من قبل الظروف المحيطة بالعملية الإصلاحية. ذلك أن الإصلاحات التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة في خطاب 15 أفريل، وشكل لها لجنة مشاورات مطلع ماي، جاءت في ظروف بالغة الحساسية منها: 1 – إنفجار الغضب الشعبي في العديد من البلدان العربية، على رأسها تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن وغيرهم، مع توقع امتداد الغضب لمختلف الأوطان العربية الأخرى، ما يفرض السرعة في القيام بالإصلاحات، على أن يكون مضمون الإصلاحات متطابقا مع السرعة، أي لا ينبغي أن تكون السرعة هي الهدف، إنما مضمون الإصلاحات هو الهدف الرئيسي، وإذا منحنا الأولوية للسرعة على حساب المضمون فإننا نكون قد وفرنا للإصلاحات عوامل الفشل. 2 – عندما تعرض نتائج المشاورات التي يخوضها بن صالح وطاقمه على البرلمان لمناقشتها والمصادقة عليها شهر سبتمبر القادم، فإنها ستكون متزامنة مع متغيرين حساسين: أ – الدخول الإجتماعي، الذي لا يجب أن يجابه بمشاريع إصلاح دون طموحات الجماهير. ب – الإصلاحات في بعض البلدان العربية تكون قد قطعت شوطا، وقد يكون الوضع في بعض البلدان العربية قد وصل إلى مراحل حرجة، وكلاهما يلقي بثقله على الوضع الداخلي. 3 – خلافا لتونس أو مصر فإن الإصلاحات الجزائرية ستولد بعد ثلاثة أشهر من خطاب الرئيس أوباما حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو خطاب مخيف، أهم ما ورد فيه ثلاثة عناصر بالغة الدلالة هي: أ - إن الولاياتالمتحدةالأمريكية وهي أعظم قوة في العالم المعاصر لم تعد تقبل بتركيز السلطة في العالم العربي خصوصا في يد أقلية وبطريقة غير شرعية، إنما يجب توسيع قاعدة المشاركة السياسية في الحكم، لذلك أصبحت تضغط على الحكومات العربية من أجل الإسراع بالإصلاح السياسي الديمقراطي. ب – إن أمريكا تدعم بوضوح الغضب الشعبي العربي الذي يسمى »ثورة« في بعض البلدان، و »تمردا« في بلدان أخرى، لذلك دعت واشنطن عدة رؤساء عرب إلى مغادرة الحكم بشكل مباشر كما حصل مع القذافي، وبشكل غير مباشر مثلما حصل مع بشار الأسد وعلي عبد الله صالح. ج – إن مستقبل أمريكا أصبح مرتبطا ارتباطا وثيقا بشمال إفريقيا والشرق الأوسط، بمعنى أن المستقبل سيشهد مزيدا من التدخلات في شؤون هذه المنطقة. في ظل هذه البيئة يجري تحضير الإصلاح في الجزائر، وتجد جبهة التحرير الوطني نفسها في واجهة الإصلاحات لمجموعة من الأسباب منها: 1 – إن جبهة التحرير هي أهم حزب على الساحة السياسية، بالنظر لتاريخه الطويل وخزانه الفكري والبشري، مما يعني أنه يجب أن يحتل مكانة »المصلح رقم واحد«. 2 – في ظل التراجع السياسي للتيار الإسلامي، ازداد حجم مسؤولية حزب جبهة التحرير الوطني، باعتباره »البوتقة« التي تجمع المضمون الإسلامي بالمضمون الوطني. 3 – أما العنصر الثالث فيمكن اعتباره الأكثر أهمية على الإطلاق، يتمثل في حيازة حزب جبهة التحرير الوطني على الأغلبية البرلمانية ، وباعتبار أن البرلمان الحالي هو الذي سيناقش ويصادق على مشاريع : تعديل الدستور والقوانين المنظمة الأخرى، التي تسمى قوانين عضوية، فإن الأفلان تقع على عاتقه مسؤولية أكبر، يواجه بها الرأي العام. وهذا يعني أن الإصلاحات القادمة تعد بمثابة سيف ذو حدين لحزب جبهة التحرير الوطني، فهي إما ترفع قيمته في البورصة السياسية، وإما تفقدها. أي أن جبهة التحرير ليست مطالبة فقط بتقديم أفكار إصلاحية جريئة ومتطابقة مع تطلعت الشعب فقط، بل يتعين عليها أن تقوم بحملة تسويق وإقناع بمشاريع الإصلاح، لأنه من المؤكد أن المرحلة القادمة ستشهد " هجمة " إعلامية وسياسية على الحزب. هذا الكلام ليس تنجيما، إنما هو مجرد استنطاق للظروف المحيطة بعملية المشاورات السياسية من جهة، ولمضمون المبادرات التي عرضتها الأحزاب والشخصيات الوطنية في لجنة المشاورات التي يرأسها بن صالح. حيث يلاحظ ما يلي: أ – لجوء بعض الأحزاب والشخصيات لسياسة الكرسي الشاغر، لتملأ مقعدها بالانتقادات بمجرد انتهاء عملية الإصلاح. ب – ظهور تباينات عميقة في مضمون الإصلاح نفسه، إذ تكفي الإشارة إلى أن هناك من يرتضي تغيير النظام السياسي الجزائري كلية بنظام برلماني، بينما يبتغي آخرون الإبقاء على النظام الرئاسي مع ضبط صلاحيات الرئيس وتوسيع صلاحيات البرلمان. وفي شهر سبتمبر القادم، يتعين على نواب الأفلان أن يكونوا جاهزين لمناقشة العملية الإصلاحية، وأن يكون في المستوى المطلوب، لأن نتائج الإصلاحات بهذا المنظار، ستكون لحزبهم أو عليه. فالحزب اليوم في وضعية الطباخ »صدره للنار وظهره للعار والمنشار«.