يشرع رئيس الجمهورية ابتداء من يوم غد الثلاثاء في الاستماع إلى أعضاء الطاقم الحكومي وتلقي تقارير قطاعية مفصّلة تسمح له بالوقوف على تقييم مدى تطبيق تعليماته التي قدّمها للوزراء خلال الأشهر القليلة الماضية، وستكون بداية الجلسات مع وزير التجارة بالنظر إلى أهمية الملفات التي يحملها خاصة ما تعلّق منها بتنظيم الأسواق وضبط الأسعار تزامنا مع حلول شهر رمضان المبارك. توقعت مصادر متطابقة أن تكون جلسات الاستماع التي سيعقدها رئيس الجمهورية خلال شهر رمضان المعظّم مع وزراء حكومة أحمد أويحيى، مختلفة تماما هذه المرة عن سابقاتها، وأكدت أنها ستتجاوز الطابع البروتوكولي المعهود، ويعود ذلك بالأساس إلى الالتزامات التي سبق وأن قطعها القاضي الأوّل في البلاد أمام الوزراء أنفسهم، خلال مصادقة على البرنامج الخماسي الحالي، بأنه لن يتسامح مع أي تهاون في تطبيق تعليماته. وبموجب ذلك سيجلس رئيس الجمهورية والوزراء المعنيون بعرض حصيلتهم على طاولة واحدة يكون فيها الوزير الأول أحمد أويحيى حاضرا إلى جانب مستشاري بوتفليقة وبعض الوزراء مثلما هو الحال بالنسبة إلى وزير الداخلية والجماعات المحلية، دحو ولد قابلية، وكذا وزير الدولة عبد العزيز بلخادم، وتكون مصالح الرئاسة بذلك قد استفادت بذلك من التجارب السابقة لجلسات الاستماع التي كانت تقتصر فقط على تقديم وثيقة مدعمة بالأرقام. وبناء على المراسلات التي بعثت بها مصالح رئاسة الجمهورية قبل أكثر من شهرين، فإن الكثير من القطاعات الوزارية دخلت في ما يُشبه »حالة استنفار قصوى« من أجل ربح ما تبقى أمامها من وقت لاستكمال إعداد التقارير النهائية التي سترفعها تباعا إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خلال شهر رمضان، ويتعلق الأمر على وجه الخصوص بالوزارات التي تتكفل بالملفات ذات الصلة بالجبهة الاجتماعية لأن الأمر هذه السنة لا يرتبط بإعداد تقارير بروتوكولية فحسب بقدر ما هو وثيق الصلة بتقديم تقارير مفصّلة ترتكز على ما تحقّق في السداسي الأول من السنة الجارية. وعلى ضوء التطورات التي عرفتها الساحة السياسية والجبهة الاجتماعية منذ أحداث جانفي من العام الجاري، فإن أغلب التكهنات تميل إلى احتمال أن تعقب الجلسات الرمضانية إجراءات تمسّ التشكيلة الحكومية خصوصا وأن رئيس الجمهورية قالها في أكثر من مناسبة بأنه لن يتسامح مع أي تهاون في تنفيذ تعليماته، هذا الكلام كرّره بوضوح خلال تبني مجلس الوزراء البرنامج الخماسي للتنمية شهر ماي من العام الماضي، وهو الشهر الذي عرف تغييرات نوعية في الجهاز التنفيذي. وخلال الاجتماع ذاته أمر رئيس الجمهورية »أن يسهر كل قطاع على الإعداد الجيد للمشاريع من أجل تجنُب إعادة تقويم التكاليف«، مؤكدا حينها أن الخزينة العمومية تقوم من خلال هذا البرنامج بتعبئة جميع قدراتها، وذهب القاضي الأول في البلاد أبعد من ذلك بقوله: »إننا سنرافق هذا الإنفاق العمومي الهام لصالح التنمية بما يُلزم من الصرامة لكي نقضي على أي إفراط وأكثر من ذلك على أي تبذير في تسيير الدولة والجماعات المحلية«، وشدّد على أنه »وموازاة مع ذلك سيتعين على آليات الرقابة أن تؤدي دورها كاملا كما سبق لي وأن أمرت به..«. ويُعزّز هذا التوجّه كون رئيس الجمهورية على دراية بوجود انتقادات تطال الكثير من الدوائر الوزارية خصوصا أمام المخصّصات المالية الهائلة التي استفادت منها، كما يعلم أيضا بأن المواطنين ينتظرون نتائج ملموسة من عملية تقييم أداء كل قطاع في الميدان، وعلى هذا الأساس سوف لن يتوان في مساءلة الوزراء عن كل صغيرة وكبيرة اعتمادا على تقارير تصله من مستشاريه، ومن ثمّ ليس مستبعدا إحداث التغييرات المناسبة على الجهاز التنفيذي خصوصا وأن عامل الزمن ليس في صالحه خلال العهدة الحالية. وأكثر ما يزيد من أهمية الجلسات الرمضانية هو أنها تتزامن مع الإصلاحات الجاري تجسيدها على كافة المستويات، بما في ذلك التحضير لمراجعة عديد النصوص التشريعية الهامة على غرار الدستور، وقوانين عضوية مثل الأحزاب والانتخابات، إلى جانب التحضير لإصلاحات اقتصادية واجتماعية وهو ما بدأ يتجسد من خلال لقاء الثلاثية الذي انعُقد نهاية شهر ماي الماضي، بانتظار الثلاثية الثانية في سبتمبر القادم، زيادة عن الجلسات التي تمّ عقدها مؤخرا حول المجتمع المدني والتجارة، وهي كلّها تدخل في إطار مساعي لإشراك كافة الأطراف في الخطوات التي سيتم اعتمادها مستقبلا.