وثائق جهاز المخابرات الليبي التي وقعت في أيدي أعضاء من منظمة هويمن رايتس ووتش أثبتت علاقة متينة بين نظام القذافي وأجهزة الاستخبارات الغربية، ومن الغريب فعلا أن رئيس المجلس العسكري بطرابلس عبد الحكيم بلحاج تم اختطافه وتسليمه للقذافي في إطار هذا التعاون الأمني الذي استمر لسنوات، ولم يتوقف إلى اللحظة الأخيرة قبل سقوط طرابلس في أيدي المعارضة المدعومة من الحلف الأطلسي، فالأمريكان والفرنسيون والبريطانيون والألمان الذين كانوا يتعقبون المعارضين الليبيين ويسلمونهم للقذافي هم أنفسهم الذين قادوا الحملة للإطاحة بالديكتاتور وتمكين الشعب من تقرير مصيره، ولا أحد في الغرب يشعر بالحرج من أن الذين خلصوا ليبيا من طغيان القذافي كانوا بالأمس القريب يختطفون ويسلمون لطرابلس باعتبارهم إرهابيين كما حدث لعبد الحكيم بلحاج. أكثر من هذا، القذافي كان متعاونا جدا مع الاستخبارات الأمريكية، وفي ثماني مرات سمح بتحويل معتقلين من الولاياتالمتحدة إلى ليبيا لاستجوابهم فيها، وقد عمد الأمريكيون إلى استخدام هذه الطريقة من أجل تعذيب المعتقلين، وكانت الأردن ومصر والمغرب من بين الدول التي قبلت بلعب هذا الدور خلال الفترة التي تلت أحداث الحادي عشر سبتمبر وغزو أفغانستان، وفي مصر سقط مبارك في انتظار سقوط نظامه، وفي ليبيا سقط القذافي أيضا، وفي المغرب والأردن لا تزال الحماية الغربية للنظامين قائمة وبلا حدود، ولا مجال لبرمجة ثورة أطلسية ضد الأنظمة الملكية الخادمة لأمريكا وإسرائيل في الفترة الحالية على الأقل، لكن عندما يصبح ذلك ضروريا لحماية المصالح فلا عهد لأحد عند أمريكا وحلفائها. الدرس الذي يجب أن يستوعبه الحكام العرب الآن هو أن العمالة لأمريكا وحلفائها لم تعد ضامنا للبقاء في السلطة، فكلنا نتذكر كيف سارع القذافي مذعورا، بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، إلى الإعلان عن التخلي عما كان مشروعا لصناعة أسلحة دمار شامل، وجعل هدفه الوحيد إثبات الولاء للغرب بالتعاون الأمني، وبتقديم ليبيا بثرواتها وأموالها هدية للشركات الغربية التي عادت إلى البلاد بعد غياب دام عقودا، ومع ذلك جاءت قوات الأطلسي ودكت أركان نظامه دون أن تترك له فرصة الظهور بصورة من يقاوم الغزو الأجنبي والعدوان الإمبريالي، بل أظهرته، وبالوثائق، عميلا ليس لديه ما يفخر به.