أصبحت بعض التقارير التي تصدرها جهات دولية مختلفة كالتي تتعلق بانتشار الفساد، جد مقلة للسلطات الجزائرية بالنظر إلى الأحكام »المغلوطة« التي تصدرها والأبعاد السياسية التي تنطوي عليها، مع هذا يظل الفساد حقيقة لا يمكن إنكارها أو تجاوزها، حتى وإن وجدت إرادة سياسية لمكافحته كما تبين من خلال ندوة مكافحة الفساد التي نظمتها وزارة العدل أول أمس. يكتسي انعقاد الندوة الوطنية حول محاربة الفساد أهمية بالغة خاصة في هذه الظروف المتميزة التي تمر بها البلاد بفعل الجدل المحموم حول الإصلاحات السياسية وفي ظل زحف أزمة الديون الأوربية على باقي دول العالم والتي أضحت تتهدد الاقتصاد الجزائري، ثم إن هذه الندوة تزامنت مع أمرين أساسيين، يتعلق الأول باليوم العالمي لمكافحة الفساد، والأمر الثاني يرتبط بالتقرير الأخير لمنظمة »ترانسبارنسي أنترناشيونال« لسنة 2011 الذي صنف الجزائر في المرتبة 112 من ضمن 183 دولة، وهو ما ردت عليه وزارة العدل عبر تقديم قرائن كثيرة على ضعف القياسات المستعملة من قبل هذه المنظمة في التصنيف، وتعمدها اللجوء إلى منهجية تخفف الأحكام ضد الدول الكبرى خاصة فيما يتعلق بالتهرب الضريبي وتضخيم الفواتير وهي ظواهر جد منتشرة في الدول التي تقدم كمثال في مجال مكافحة الفساد، وفضلا عن ذلك فإن هذه المنظمة تعتمد على الشبهات في وجود الفساد وهو أمر صعب تأكيده، دون أن ننسى بأن القضاء الجزائري تعامل بالكثير من الجدية مع قضايا الفساد وفصل خلال 2010 في 948 قضية تتعلق بالفساد وأدان 1352 شخص، ويبقى أن نشير إلى مسألة لا تقل أهمية وهي أن التقارير التي تصدرها بعض المنظمات الحكومية أو غير الحكومية ليست بريئة وهي تحمل مساومات واضحة، وهذه التقارير كثيرا ما تنطوي على أهداف سياسية مشبوهة، وتسويد صورة أي بلد قد يكون الهدف منها تنفير الرأسمال الأجنبي في مجال الاستثمار، وقد يكون الهدف منه الترتيب لأجندة سياسية معينة على اعتبار أن الفواصل بسيطة وقد تكون منعدمة بين الفساد في أبعاده المالية والاقتصادية والفساد السياسي المرتبطة بالاستبداد وغياب الديمقراطية وعدم وجود استقلالية حقيقية لجهاز القضاء. وبغض النظر عن الندوة وأبعادها فإن تشكيل الديوان المركزي لقمع الفساد، والذي وقع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على المرسوم الخاص به، يؤكد وجود إرادة حقيقية لدى السلطة لمكافحة الفساد، ثم إن هذا المركز يعتبر كتدعيم للمنظومة الرقابية التي يرجى منها تقويض أركان الظاهرة حتى لا نقول اجتثاثها. ولم يكن الأسبوع المنصرم لمكافحة الفساد فقط، بل كان للسياسة شطر كبير من الأحداث خاصة فيما يتعلق بالمصادقة على الحزمة الثانية من الإصلاحات السياسية، والجدل الذي رافق المصادقة، وأخذ أبعادا لافتة مع تهديد حركة مجتمع السلم بمغادرة التحالف الرئاسي وانتقادها للتحالف بل الخروج عن الإجماع الذي كان موجودا داخل التحالف بمناسبة التصويت على مشاريع القوانين بغرفتي البرلمان. لقد استأنف النواب في الغرفة السفلى جلسات المصادقة والتي بدؤوها من مشروع القانون المتعلق بالأحزاب ثم قانون الجمعيات وأخيرا قانون الإعلام، ولعل أهم ما أمكن ملاحظته بالنسبة للتصويت على قانون الأحزاب، الذي أغلق كما هو معروف الباب أمام عودة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة إلى العمل السياسي باعتبارها أحد الأطراف المسؤولة عن المأساة الوطنية، هو ما تعلق بالانشقاق الذي حصل داخل التحالف الرئاسي، بعد لجوء نواب حمس إلى التصويت ضد مشروع الحكومة. وبدا جليا وكأن حمس شرعت فعلا في التموقع ضمن صفوف المعارضة، وهو تأكيد لتهديد زعيم الحركة أبو جرة سلطاني بمغادرة التحالف والانتقادات التي وجهها للأفلان والأرندي اللذان اتهمهما بالسير بشكل يناقض الإصلاحات التي أقرها رئيس الجمهورية، ولتصريحات نائبه عبد الرزاق مقري الذي أمطر الأفلان والأرندي بانتقادات أشد من تلك التي عادة ما نسمعها من قادة المعارضة الراديكالية. ويثير مشروع قانون الإعلام نفس الجدل والنقاش بالنظر إلى المواقف التي عبر عنها خصوصا بعض الناشرين والذين يرون في نص الحكومة تراجعا عن المكتسبات المحققة خصوصا في مجال حرية التعبير على مر السنوات الماضية، لكن لا يجب الانقياد وراء بعض الأحكام التي تصدر من هنا وهناك والتي تخفي في الواقع قلق بعض بارونات الإعلام على مصالحهم، فالاهتمام بمصالح الصحفي هي في ذيل القائمة أمام المخاوف التي يبديها البعض بشأن مصالح الناشرين الذين كان بمقدور الكثير منهم أن يعطوا للصحفي القيمة التي يستحقها، ويولوا الاهتمام اللازم لوضعه المهني والاجتماعي ويحققوا بعض حقوقه المعروفة حتى من دون انتظار أي قانون تصدره الحكومة. اللافت أن بعض الوجوه النيابية أو الحزبية تريد أن تصنع أعداء وهميين لعملية الإصلاح، فالهجمات التي توجه من حين لأخر ضد الأفلان، يحاول أصحابها أن يجعلوا من الحزب العتيد، كما فعل البعض قبيل الاستحقاقات التعددية التي شهدتها البلاد في بداية تسعينيات القرن الماضي، هدفا للتغيير، وهو ما يفسر المطالب المتكررة بضرورة وضع الأفلان في المتحف، مما جعل رئيس الغرفة السفلى للبرلمان عبد العزيز زياري ينتفض ويؤكد بأن أصحاب أطروحة المتحف تأخروا 50 سنة ليعلوا عن والنسج على منوال الفكر الاستعماري الممجد للاستعمار. هذا الفكر عبر عنه صراحة السفير الفرنسي بالجزائر لما قال صراحة بأن التوبة التي يطالب بها الجزائريون ليست موجودة في حسابات باريس، بمعنى أنها مستحيلة التحقيق، ثم إن الزيارة التي قام بها للجزائر وزير الداخلية كلود غيون، ورغم الايجابيات التي حملتها فيما يتعلق بالتعاون بين البلدين في المجالات الاقتصادية، وفي مجال تنقل الأشخاص، لم تحمل أي جديد فيما يتصل بالذاكرة. الزيارة التي قام بها وزير الخارجية مراد مدلسي والخطاب الذي ألقاه أمام أعضاء الجمعية الفرنسية تركزت أكثر على وصف الوضع في الجزائر مقارنة بما هو حاصل في محيطها العربي من »ثورات«، فالقول بأن الجزائر عاشت ثورتها الديمقراطية في أكتوبر 88 هو تأكيد على الخصوصية الجزائرية، وأما القول بأن طبيعة العلاقة بين السلطة والشعب في الجزائر قد جنب الجزائر احتجاجات ضخمة فهو تأكيد بأن الجزائريين لا يعانون من الاستبداد الذي استشرى في الكثير من الأقطار العربية.