اختارت وزارة الداخلية الرسائل النصية عبر الهاتف المحمول كوسيلة للدعوة إلى المشاركة في الانتخابات، فقد تلقى المشتركون رسالة تصف التصويت في الانتخاب بأنه سلوك يعبر عن المواطنة والمسؤولية. الرسالة جاءت في وقت مبكر بعض الشيء، فالانتخابات ستنظم بعد أكثر من أربعة أشهر من الآن، والوقت لم يحن بعد للحديث عن المشاركة في التصويت، إلا إذا كانت وزارة الداخلية قد أجرت عمليات سبر آراء وقياس لتوجهات الناخبين واستنتجت من خلال ذلك أن الأكثرية تتجه نحو مقاطعة الاقتراع، وحتى هذا لا يبرر اللجوء إلى هذا الأسلوب الذي لا يمكنه أن يقنع الناس بأهمية التصويت. ما هو مطلوب من وزارة الداخلية إجراءات عملية تجعل الانتخابات حدثا في نظر المواطنين، وهذا أمر لا يمكن إثباته بشعار يرسل عبر الهاتف، بل من خلال إطلاق الحريات، وتقديم الضمانات الفعلية التي تجعل الانتخابات حقيقية ونزيهة، فالأغلبية الساحقة من الناس موقنة بأن الانتخاب هو الوسيلة الوحيدة لتجسيد إرادة الشعب، لكن ليست كل الانتخابات تفضي إلى هذه النتيجة، وفي الحالة الجزائرية لدينا اعترافات صريحة من مسؤولين كبار يقولون بأن الجزائر لم تشهد انتخابات نزيهة منذ الاستقلال، وهذا هو السبب الحقيقي الذي يدفع المواطنين اليوم إلى مقاطعة الانتخابات. من هنا يمكن القول بأن مقاطعة الانتخابات خلال السنوات الأخيرة كانت تعبيرا عن الوعي السياسي وليس العكس، فالناخب الذي يعلم أن صوته سيغتصب عليه أن يمتنع عن إعطاء هذا الصوت لأي كان، وقد أثبتت الانتخابات الأخيرة أن المقاطعة كانت رسالة سياسية واضحة قرأها المعنيون حتى وإن كانت استجابتهم تعبر عن قلة فهم وضعف استيعاب. نعم التصويت في الانتخابات سلوك مواطني مسؤول، لكن قبل ذلك يجب أن يشعر الناس بأنهم يتمتعون بصفة المواطنة، وهذا أمر لا يمكن أن تدعيه وزارة الداخلية، فصفة المواطنة تسبغ على الجزائريين لحظة الانتخاب، وبمجرد وضع ورقة الانتخاب في الصندوق يفقد الناخب صفة المواطن لأنه يصبح غير قادر على حماية صوته من الاغتصاب. اجعلوا من الجزائريين مواطنين تجدون من يقصد مراكز التصويت يوم الاقتراع، هذه قاعدة بسيطة لكنها أكبر من أن تعوضها رسالة نصية.