هناك من جُبل على ثقافة التهويل والمبالغة وخاصة حين يتعلق الأمر بالقضايا ذات الأهمية التاريخية حتى يجعلوا منه وسيلة سياسية لأغراضهم الشخصية، وبمثل هذه التصرفات أصبحت قضايا التاريخ مرهونة بعدم المس بها لأن تصبح عُدة ضمن مسلمات أساسية لترتيب أغراض سياسية لا أكثر، ولو أدى هذا بواقعه إلى شيع واختلافات حينها تنصرف الحقيقة التاريخية لا محالة إلى مضامين وتفسيرات خاطئة ويصبح تعبيره يتقوى من الطبيعة الباطنية للتبعية على خطى الأسلاف لأنّ العرق دساس. لقد أقرّ قانون المجاهد والشهيد في نصوصه التشريعية بضرورة إنشاء المجلس الأعلى للذاكرة الوطنية تطبيقا للمبادئ الدستورية التي نصت عليها وخاصة منها دستور 1996علماً بأنّ حماية التراث الوطني بصفة عامة والتاريخي منه بصفة خاصة قد تمّ تدعيمها بصفة جلية في تعديل دستور سنة 2008، غير أنّ السؤال المطروح: لماذا لم ينصب هذا المجلس لحدّ الآن؟ّ حتى يكون رافدا آخر ضمن الإصلاحات الجارية، كما أنّه يعمق من جهة أخرى مفهوم المصالحة الوطنية حتى لا تصبح مجرد تعويضات تخل بمفهومها الوطني، وبالتالي تكون سداً منيعاً لفواصل التقاطع التي يثيرها أعداء الوحدة الوطنية. ومن هذا المنطلق يمكن أن نتطرق بإيجاز شديد إلى ردود فعل بعض مسؤولي الأحزاب الاجتماعية بعد أن وجدوا متنفساً لهم للإدلاء بتصريحات من شأنها تشكيل مضاربة وكأنها انتلجنسيا أي احتكار قواعد اللعبة السياسية الممارسة وهي ولا شك ذات طبيعة مصلحية ومُخاتلة لا يمكن أن نتجاهلها أو لعله تنظير مجازي يؤدي حتماّ أن هناك بقية راسخة من الرأي المقنَع بعيدا عن كل التزام لا ينتج إلاّ المزيد من التجافي أكدتها التعليقات التي ظهرت بعد تصريحات السيّد الطيب أردوغان رئيس الحكومة التركية بشأن قانون تجريم إنكار إبادة الأرمن بتذكيره الحكومة الفرنسية الجرائم البشعة التي لا يقبلها الضمير وتنكرها الأعراف التي ارتكبت في حق الشعب الجزائري التي ندد بها فخامة رئيس الجمهورية في إحدى زياراته إلى ولاية سطيف بمناسبة ذكرى الألم 8 ماي 1945، بالإضافة إلى اعترافات شهد شاهد من أهلها الجنرال »أوساريس« عن التعذيب والتنكيل بالجزائريين المسالمين إلى حد تجريده من حقوقه الفخرية ولا شك أنها صحوة ضمير كما أن تقديم مشروع يجرم الاستعمار لان تضحيات الشعب الجزائري أغلى و أقدس غير أنه ركنّ وجمد تحت نفوذ الأوصياء. وفي هذا السياق لابد أن نفهم أن التاريخ هو ضمير الإنسانية جمعاء قد يوجد له إنصافا من طرف الآخرين لأنه يدخل ضمن قوام البشرية بصفه عامة وفي الطرف الآخر يجحده وينكره أهله. كما أن إبادة الشعب الجزائري خلال القرنين الماضيين برأيهم هي من مظاهر التحضر ولذلك كان حقا عليهم تمجيده والافتخار به دون أن يسبب لهم ذلك حرجا برسم قانون العار فبراير 2005، حينها يكون سكوت هذه الأطياف دليل على علامة الرضا والخضوع لها حتى ينالوا به كريم المأكل، وكذا تكريم الحركى له أكثر من دليل لان فرنسا وفية لماضيها ولو كان على حساب الآخرين وهذا شأنها إنما لماذا لا يعتبر بها في مثل هذه الحالات؟ ربما يفسر حالهم قول الشاعر حسان بن ثابت: أما سألت فإنا معشر نحب الأزد نسيبتنا و الماء غساّن طبيعي أن فرنسا لا يمكنها أن تقدم اعتذاراً لشعب يوجد به من يسيل دموعه عليها لأنه كلما كانت مبادرات من هذا القبيل إلا وتجد امتعاضا وتلكأ قبل الفرنسيين أنفسهم، وحتى البيئة العلمية في بلادنا لم تعد قادرة على تحمل هذا التلون الذي أثقل كاهل المجتمع وظل يئن تحت وطأة إرث ثقيل له طابعه وخصائصه لا يتوافق ومكوناتنا الحضارية مماّ يجعلنا سجناء للرؤى والمفاهيم البالية عن مخرج صدق نتجاوز به العقبات الموروثة وما تحمله من خلفيات. واقعيا تطاولت علينا فرنسا بتمجيد مناكرها في حق الشعوب المغاربية والجزائر خاصة وها هي اليوم تتطاول على دولة إسلامية تربطها أوامر تاريخية مع الشعب الجزائري وهي لا تخشى في ذلك لومة لائم، لأنها تؤمن أنّ لها أتباع داخل مستعمراتها القديمة ينوبون عنها في الردّ عمن يحاول تذكيرها بشرها وظلمها لأنهم تكفلوا بلغتها وثقافتها ونمط معيشتها غير أنهم يفتقرون ظرفيا لمعاني الدلالة الشرطية لكل فعل سياسي، ومهما يكن فأن التاريخ لا يموت لأن حقائقه وأن توارت في زحام الأغراض وصيحات الأقزام تستعصي أبدا على الفناء كما يقول سبتسر.