بحلول موعد الانتخابات التشريعية اليوم، تكون الإصلاحات السياسية التي أقرها الرئيس بوتفليقة يوم 15 أفريل2011 قد دخلت مرحلة الاختبار الحقيقي إيذانا ببدء مسار جديد مع التغيير السلمي الديمقراطي. يتفق المتتبعون للشأن السياسي الجزائري أن الانتخابات التشريعية التي تجري اليوم لاختيار 462 نائبا، تعتبر واحدة من ابرز الحلقات المفصلية في الحياة السياسية والمؤسساتية المنبثقة عن الإصلاحات السياسية التي أقرها الرئيس بوتفليقة في خطابه للأمة يوم 15 أفريل 2011 والتي توّجت بتشكيل لجنة المشاورات السياسية التي قدمت جملة من الاقتراحات والآراء والتصورات للرئيس بخصوص ترقية العمل السياسي والإعلامي من خلال مراجعة جملة من مشاريع القوانين المنظمة للعمل السياسي. وضمن هذا المسار أعادت الحكومة مراجعة قانون الأحزاب السياسية بما يسمح بفتح المجال السياسي والحزبي أمام الفاعلين ممن تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها في القانون، كما تم إقرار الانفتاح الإعلامي وبالأخص السمعي البصري لأول مرة في تاريخ التعددية الإعلامية والسياسية، ناهيك على مراجعة قانون الجمعيات وإقرار قانون خاص بتمثيل المرأة في المجالس المنتخبة، وضبط حالات التنافي مع العهدة البرلمانية. إلا أن من أهم القوانين التي تضمنتها الإصلاحات أيضا قانون الانتخابات التي وفر أدوات قانونية وسياسية من شانها إعادة الاعتبار للعملية الانتخابية كواحدة من أهم المخارج الديمقراطية السلمية للتداول على السلطة وتوسيع مشاركة فئات واسعة من الشعب في صنع القرار ومراقبة عمل الحكومة. وبالرغم من الجدل الساخن الذي أثير حول هذه القوانين التي صادق عليها البرلمان وأقرها المجلس الدستوري، إلا أنها لقيت الترحيب الكامل من قبل الأحزاب السياسية والناشطين، خاصة في ظل التعهدات التي قدمها الرئيس والحكومة ممثلة في وزارة الداخلية والجماعات المحلية باحترامها والعمل على تجسيدها ميدانيا، وهو ما تجلى صراحة من خلال ظهور أزيد من 21 حزبا سياسيا اعتمد في ظرف قياسي وباشر العمل التنظيمي من خلال بوابة التشريعيات التي شارك فيها مالا يقل عن 44 حزبا سياسيا ومئات القوائم المستقلة المنتشرة عبر الوطن. والواقع أن الإصلاحات السياسية التي اقرها الرئيس جاءت ضمن سياقات إقليمية ودولية معقدة، فالثورات العربية التي طالت بلدانا مغاربية وعربية وأسقطت أنظمة بالكامل بدعم من الحلف الأطلسي والقوى الغربية، دفعت السلطات الجزائرية إلى الاحتكام إلى الخيارات السلمية من خلال الإصلاحات لقطع الطريق أمام مخططات تستهدف عديد البلدان العربية، وقد تفاعل مع الإصلاحات كل الفاعلين في الحقل السياسي رغم تباين مستوى ودرجات التفاعل، فقد سجل المهتمون مدى رغبة الجزائريين في تحقيق التغيير السلمي الديمقراطي بعيدا عن أي محاولة لاستنساخ تجارب إقليمية. وقد كان واضحا طيلة الحملة الانتخابية مدى انعكاس المخاوف التي طرحها القاضي الأول في البلاد بخصوص الرهانات المحيطة بالعملية الانتخابية، والتحديات الواجب رفعها من خلال المشاركة القوية للمواطن في الاقتراع على خطابات الأحزاب والمترشحين الذين قادوا دعاية قوية من اجل ضرورة مشاركة المواطن في انتخابات وصفت بالحاسمة والمصيرية في مسار البلد بأكمله. وتدخل انتخابات اليوم برأي السلطة والأحزاب ضمن مسار التغيير الهادي الذي ينجر عنه تجديد البناء المؤسساتي والهيكلي للدولة، بالنظر إلى المهام المنتظرة من المجلس الشعبي الوطني الذي سيشارك في وضع دستور جديد يعول عليه كثيرا في ضبط ميكانيزمات الحكم والعلاقة بين مؤسساته الدستورية، لكن الأهم هو تكريس الشرعية السياسية القائمة على حكم الشعب. ووفق هذه الرهانات المحيطة بالعملية الانتخابية نكون السلطة والأحزاب أمام اختبار حقيقي وصعب اليوم، فهو الاختبار الذي سيحدد معالم المستقبل السياسي للبلد ويضع الجميع أمام مسؤوليات ثقيلة: فالسلطة أمام امتحان ضمان نجاح الانتخابات من خلال احترام إرادة الناخب والأحزاب أمام امتحان كسب ثقة المواطن...فكيف سيكون حكم الشعب؟.