النصيحة التي قدمها أمين عام الأفلان عبد العزيز بلخادم لقادة الأحزاب التي انهزمت في التشريعيات الأخيرة بتقديم استقالتها، كان يمكن أن تشكل مخرجا مشرفا لهاته القيادات حتى تكفي مناضليها وكذا الجزائريين شر القتال كما يقال، ولا تورط الجميع في جعجعة بلا طحين، وفي شطحات، حتى وإن كانت دون نتيجة، إلا أنها ستلطخ إلى حد ما الممارسة السياسية في وتطعن في العملية الانتخابية وفي سمعة البلاد خارجيا، خاصة في ظل وجود أطراف كثيرة تترصد للجزائر ولا تريد أن تستثنى مما يسمى ب »الربيع العربي«. بلخادم خاطب المتشنجين، خاصة العضو السابق في التحالف الرئاسي، زعيم حركة حمس، وزعيمة حزب العمال لويزة حنون، بالقول إن »القيادات السياسية التي تحترم نفسها تعترف بفشلها في أي استحقاق وتتحمل مسؤوليتها كاملة، لذا عادة ما تعترف بالهزيمة وتعمد إلى الاستقالة بعد أن تقدم التهنئة للحزب الذي فاز«، مضيفا بأن هذا السلوك هو »شرط أساسي لاستقامة العمل السياسي«. ويشكل هذا الكلام في الواقع الرد المطلوب على كل تلك التصرفات الغريبة للكثير من القيادات الحزبية التي تكرر كلاما غير مفهوم عن عملية تزوير لم يشاهدها أحد، لا المواطن ولا حتى المراقبين الدوليين، ناهيك عن ممثلي الأحزاب والقوائم الحرة التي شاركت في الاستحقاق التشريعي، خاصة وأن السواد الأعظم من المواطنين لم يستطع استيعاب كل تلك الضجة التي تثيرها التشكيلات السياسية التي خسرت معركة التشريعيات. والواقع أن كل ذلك الصراخ وكل ذلك العويل ينم عن حالة إحباط أصابت قيادات بعض التشكيلات السياسية التي توهمت، من دون قراءة موضوعية جيدة للواقع ولوعائها الانتخابي وحظوظ مرشحيها، ولقوة منافسيهم، ولقانون الانتخابات بكل تفاصيله وحتى جزئياته التي كان لها أثر كبير ربما على الصغار، بأن الفوز سيكون حليفها، وظنت بأنها ستحصد عدة مقاعد نيابية، وبعضها وصل به الغرور حد حزم الحقائب في انتظار تسلم السلطة. وينقسم هؤلاء المتشنجون إلى أصناف عديدة، فهناك الإسلاميون في تكتل الجزائر الخضراء أو في حركة التغيير لعبد المجيد مناصرة، وحركة العدالة والتنمية للشيخ عبد الله جاب الله الذين توهموا بأن الأصوات ستمنح لهم حتى رغم أنف المواطنين لأن »موضة« ما يسمى ب » الربيع العربي« تقتضي أن يكتسح الإسلاميون البرلمان ويتسلمون الحكم، شأنهم شأن الإسلاميين في تونس والمغرب، وأما الصنف الثاني من الغاضبين فهي أحزاب تحسب على المعارضة، على غرار حزب العمال والجبهة الوطنية الجزائرية لموسى تواتي، في حين هناك صنف ثالث مشكل من أحزاب موسمية على غرار حزب شلبية محجوبي وأخرى ولدت الأمس فقط وأسسها »مستثمرون« فاشلون في عالم السياسة، خافوا من أن يحاسبهم متصدرو قوائمهم في الولايات على الأموال التي دفعوها لهم، بعدما تم إيهامهم بأن المقعد النيابي مضمون وكأن البرلمان المقبل سيشكل من آلاف النواب. ما يجري من حديث عن التزوير وتهديد بمقاطعة جلسات البرلمان المقبل، وحتى التهديد بالخروج إلى الشارع وتكرار ما حصل في تونس، يعكس في الواقع ضحالة المستوى والثقافة السياسية للكثير من القيادات الحزبية التي كان عليها، كما قال أمين عام الأفلان، تقديم استقالتها، لا أن تتلاعب بمشاعر مناضليها، حتى لا يتم محاسبتها وتستمر في مناصب تدر عليها الكثير من المال ومن الامتيازات وتقرب هؤلاء من السلطة التي يتفننون في الوقت الحالي في شتمها طمعا في بعض الامتيازات الشخصية، ومن غير المنطقي أن ننتظر ترقية الممارسة الديمقراطية وبناء معارضة قوية بهذا الرهط من السياسيين الفاشلين الذين يحسنون النفاق السياسي ولا يفقهون أخلاقيات اللعبة السياسية التي تقتضي الاعتراف بالفشل وترك المنصب لمن هم أقدر على تحقيق الانتصار مستقبلا.