كشفت دراسة حول السياسة الزراعية والأمن الغذائي بالجزائر، أن الجزائريين ينفقون ما بين 55 و60 بالمائة من ميزانيتهم الشهرية على اقتناء المواد الغذائية الاستهلاكية في حين تتراوح هذه النسبة في فرنسا مثلا ما بين 15 و17 بالمائة فقط، وتوقعت أن ترتفع فاتورة الجزائر من الاستيراد ب 15 مليار دولار في حال لم تتخذ التدابير اللازمة لضمان الأمن الغذائي. ل.س ذكرت الدراسة التي أعدّها الأستاذ مراد بوكلة المحاضر بكلية العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر والتي كانت محور نقاش نظمته مؤسسة "فريدريك إيبرت" غير الحكومية الألمانية سهرة الأحد، أن الميزانية المخصصة لاقتناء المواد الغذائية في الجزائر من نفس مستوى البلدان النامية وهي تقل نوعا وكمية عن نظيرتها في البلدان المتقدمة. وحذّرت الدراسة من أن الجزائر تواجه تحديات صعبة لضمان أمنها الغذائي في السنوات المقبلة في ظل تبعيتها الغذائية للخارج حيث تستورد سنويا ما قيمته 6 ملايير دولار لسد الحاجات من المواد الغذائية، وهي مرشحة لبلوغ 15 مليار في 2015، وهو ما يدعو، حسب الباحث، لوضع مقاربة شاملة مدمجة لا تعني بالقطاع الفلاحي وحده بل تمس كل القطاعات الاقتصادية الوطنية للاستجابة للتحديات والرهانات لأجل ضمان أمن غذائي حقيقي. ودعا الأستاذ مراد بوكلّة إلى ضرورة التعجيل بإدخال التسيير الرشيد للقطاع الفلاحي من خلال تجديد الجهاز الإداري بعد أن أظهرت نتائج برنامج الدعم الفلاحي محدوديتها رغم إنفاق أموال كبرى، كما اقترح إعادة النظر في وضع وتمويل الغرف الفلاحية والجمعيات المهنية وتنظيم تمويل الاستثمارات وكذا إعادة و لاعتبار للصناعات التي لها علاقة بالفلاحة مثل الأسمدة والمعدات الفلاحية وإنهاء عملية جرد الأراضي. واقترح الخبير أيضا إعطاء اهتماما أكبر للتكوين الفلاحي وإقامة نظام إحصائي فعال وبعث سياسة توعية غذائية لدى الجزائريين لتحسين نموذج الاستهلاك، وحسب الدراسة فإنه بعد نصف من الاستقلال ورغم اعتماد العديد من السياسات الفلاحية فإن قضية الأمن الغذائي للجزائريين لم تحل بعد وأن "سيف دمقليطس ما زال مسلطا فوق رقابهم". كما أوضح الخبير أن التبعية الغذائية التي تعانيها الجزائر هي نوع من التبعية الاقتصادية الشاملة وأن بلادنا لا تتحكم في الشروط الموضوعية الطبيعية والتكنولوجية للإنتاج الغذائي وأنه يواجه خطر عدم التحكم في مصيره لهذه الأسباب. وعاد البحث في تحليله إلى أسباب تراجع الاعتماد الفلاحي وتحوّل الاقتصاد الفلاحي الجزائر إلى اقتصاد قائم على الاستيراد، مشيرا إلى أسباب متعلقة بالوجود الاستعماري في الجزائر وهي مصادرة الأراضي لصالح المستوطنين ثم اكتشاف النفط في سنة 1959 حيث تحوّلت الدولة الاستعمارية ثم الدولة الجزائرية المستقلة إلى الاهتمام بالمحروقات على حساب الفلاحة. وقال مراد بوكلة بأن بداية من سنة 1963 حققت مداخيل المحروقات أعلى من مداخيل الصادرات الفلاحية، كما أكد أنه في سنة 1967 تفوقت الجباية النفطية على الجباية الفلاحية مما مكّن الدولة من الوفاء بمتطلبات المواطنين اعتماد على والمداخيل النفطية. ومن الأسباب الأخرى التي أوصلت الجزائر إلى التبعية الغذائية الحالية ذكر بوكلة ما أسماه "السياسات العمومية التي فضلت اعتماد نظام الرقابة على القطاع الفلاحي بدل نظام إنتاج مرن يعتمد حرية المبادرة"، داعيا المواطنين إلى التخلي عن وهم اعتبار الجزائر بلد فلاحي بالنظر إلى الطبيعة المناخية شبه الجافة وقلة الأراضي المخصصة للزراعة حيث لا تتوفر الجزائر حاليا إلا على 8 ملايين هكتار وهو ما يمثل 3 بالمائة من إجمالي المساحة العامة للجزائر ناهيك عن سوء استغلال الأراضي وقلة المرودية مقارنة بدول المتوسط وعدم استقرار سقوط الأمطار. وأشاد الباحث في دراسته بالبرنامج الوطني للتنمية الريفية والفلاحية "باندييارا" رغم أنه لم يحقق الاكتفاء الغذائي المرجو، معتبرا أنه لا يجب التفكير عن حل قطاعي وحده بل في حل يشمل كل القطاعات الاقتصادية الأخرى وخصوصا القطاع الصناعي الذي يعد رافدا أساسيا للفلاحة والصناعة الغذائي، قبل أن يوضح بأن تخلف هذا القطاع يؤثر سلبا على بقية القطاعات. ورغم انتقاده لاتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومساعي الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، إلا أن المحاضر اقترح في دراسته استغلال الفرصة التي تمنحها هذه الاتفاقيات لبناء شراكات وقامة مشاريع ترفع أداء القطاع الفلاحي بالجزائر.