ما نظرت يوما في وضعية العالم العربي الإسلامي إلا واستذكرت قول الشاعر وهو يبكي دول الطوائف في أرض الأندلس: وتفرقوا شيعا، فكل قبيلة فيها أمير المؤمنين ومنبر! الشيعة والسنة والرافضية والجبرية والقدرية والجهمية ومئات الفرق الأخرى تتوزع على التاريخ العربي الإسلامي مساحة وزمنا، وتتناحر فيما بينها، ولا تكاد الواحدة منها تخرج من عنق الزجاجة. والنظر في هذا التاريخ العجيب المتشابك يدفعني دائما وأبدا إلى طرح التساؤل التالي: هل هناك من أمل في أن يعاود هذا العالم العربي الإسلامي الوقوف على قدميه في هذا الزمن وفي غيره من الأزمان الأخرى؟ والإجابة التي أتلقاها في هذا الشأن بالغة السلبية، حالكة السواد، ذلك لأن الواقع يصفعني على قفاي في كل مرة، ويستحثني على أن أطرح التساؤلات نحو وجهة أخرى أكثر منطقية. المسؤولية تقع أولا وأخيرا على عاتق هذا العالم العربي الإسلامي، فلقد سئمنا ما جرى ترديده خلال عقود وعقود من أن الأعداء الخارجيين هم السبب في تخلفه. هذه أكذوبة تنطلي علينا، ونصدقها، بل ونستمرئها في حياتنا الفكرية والسياسية بصورة عامة. الديكتاتوريات التي تعصف بهذا العالم العربي الإسلامي هي المسؤولة في المقام الأول، والجهل المتفشي بين أبنائه يجيء في الدرجة الثانية. وشخصيا، لست أجد من تفسير آخر. بعض المفكرين يزعمون أننا لم نقم بثورة جارفة من أجل تغيير الأوضاع على غرار ما فعله الغربيون بعد عصر النهضة، وهذا صحيح. ولكن، كيف يمكن أن نضطلع بمثل هذه الثورة ومفكرونا بالذات يسيرون في ركاب هذا وذاك من الذين يضعون أيديهم على رقاب الناس؟ كيف نستطيع التغيير والكثيرون منهم ما زالوا يطرحون أسئلة أقل ما يمكن أن توصف به هي أنها غبية. هذا ما زال يتحدث عن الصراع بين علماء أهل الكلام وأصحاب الاعتزال وما قاله الخليفة المأمون في هذا الموضوع، ولكأننا نعيش في القرن التاسع الميلادي. وذاك ما زال يتخبط في الأفعال والمفعولات وظروف الزمان والمكان بعد أن رست سفائنها قبل قرون وقرون بدلا من أن يلتفت إلى ما جاءت به علوم اللسانيات والدلالات في عصرنا هذا، وثالث يفضل التوغل في دنيا الطلاسم و (المسلطات) على حد تعبير محي الدين بن عربي عوضا عن الإبحار في دنيا الرياضيات الحديثة وعلوم الاتصال والحاسوب وما يجيء به مسبار (هابل) وغيره من آلات الاستكشاف الأخرى المزروعة في الفضاء الخارجي أو في جسد الكائن البشري نفسه. لو استمر الوضع على هذه الحال، فما أحسب أن هذا العالم العربي الإسلامي سيكون ذات يوم قادرا على نفض الغبار عن نفسه. حركة التاريخ، أي التغيير، إنما يقوم بها الإنسان بعد أن ينظر إلى نفسه، ويحدد لها الموقع الذي يمكن أن تحتله مساحة وزمنا. أما الترهات التي تطالعنا في الصباح وفي المساء زاعمة أن هذا العالم العربي الإسلامي يسير إلى الأمام، فهي مجرد فقاقيع هوائية سرعان ما تنفجر لكي لا تترك أثرا بعدها. وما أكثر ما انفجرت مثل هذه الفقاقيع على امتداد رقعة هذا العالم العربي الإسلامي!