قرأت في صحافتنا الوطنية أن هناك من يستخدم أروقة المساجد وما جاورها لترويج بعض البضاعات الإيديولوجية الرخيصة، وما ذلك بمستبعد في بلد أقام فيه كل واحد دولة مغايرة لدولة الآخر على غرار ما فعله أهل الأندلس حين ادلهمت الآفاق دونهم حتى قال فيهم شاعرهم: وتفرقوا شيعا فكل قبيلة فيها أمير المؤمنين ومنبر! وقرأت في بعض صحافتنا الوطنية أيضا أن وزارة الشؤون الدينية هددت وتوعدت أولئك الذين لم يتحدثوا في المساجد عن ثورة أول نوفمبر في الذكرى الرابعة والخمسين لاندلاعها ولم يجيئوا على ذكر فضائلها ومآثرها. وتمنيت من صميم قلبي أن لو لم يحدث شيء من هذا القبيل، وذلك لسبب واحد وهو (أن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا)، حتى وإن كان هذا الأحد ثورة نوفمبر بالذات! خلال سبعينيات القرن الماضي، استخدمت المساجد استخداما سياسيا للترويج للثورة الزراعية وغيرها من المفاهيم السياسية الأخرى. والمسجد، مثلما هو معلوم في تاريخنا، هو الموئل والمرجع الأخير في كل ما قمنا به ونقوم به. غير أن هناك من حاد عن هذه الطريق بعد ذلك، واستخدم المسجد لغايات سياسوية أخرى، أقل ما يقال عنها إنها منافية لقواعد الدين والأخلاق العامة. وكان من الطبيعي أن يجيء بعد ذلك شذاذ الآفاق من كل صوب لتوظيف المسجد بغية نيل أوطارهم السياسية والجلوس على كرسي الحكم بالقوة. وحدث الذي حدث، وما زلنا نعاني وطأته وآثاره السلبية في حياتنا الدينية والإجتماعية والفكرية والسياسية والاقتصادية جميعا. وأغرب ما في الأمر هو أن الدولة، عندما كادت قواعدها تزول، راحت تردد في كل مكان بأنه لا ينبغي توظيف المسجد لأمور سياسية مناقضة بذلك نفسها بنفسها في المكان الواحد. لقد كانت أول من استخدمت المسجد لمثل هذا الغرض حتى إن المسجد انتقل من النهج الاشتراكي إلى سياسة البازار ثم إلى ما يسمى اليوم بالإقتصاد الحر. فكيف نضمن لهذه الدعامة الآساسية في حياتنا كل الحياد إن كانت السلطة أول من يضرب بهذا الحياد عرض الحائط؟ وبأي حق ننتقل من هذا النهج السياسي إلى الأخذ بذلك الذي يناقضه كل المناقضة في ساحة المسجد نفسها؟ لقد رأينا في التاريخ الإسلامي كيف انتقل جامع الأزهر من يد إلى يد أخرى، من العباسيين والفاطميين والمماليك والعثمانيين والاشتراكيين والإقتصاديين الذي يدعون صلة بكل ما هو ليبرالي. فلم، يا ترانا، ننهج نهجهم في الجزائر ونحن نعلم حق العلم أن مثل هذه الطريق آفاقها مسدودة في آخر المطاف؟ لم لا نسجل في دستورنا الجديد أن المسجد لله، ولا يحق لأي كان أن ينال من حرمته؟ ولم التباكي عندما يجيء شذاذ الآفاق من قرامطة هذا العصر ويسعون إلى توظيف المسجد لغاياتهم الخبيثة؟