بقيت مصر، الدولة، تراوح بين الجانبين (مثل رقّاص الساعة)، تكررت المراوحة في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن العشرين على يد عديد من الدول العربية، التي أطلقت على نفسها شعار ''الأنظمة التقدمية''، ما أضاع الفرصة التاريخية للخلاص الاستراتيجي، كما فعلت الصين الشعبية، فيتنام، كوريا الشمالية، كوبا ••• الخ، أو هل رفضت ''الجمهورية الأمريكية''، الولاياتالمتحدة، راهناً ذاتها، الدعم الفرنسي لكفاحها من أجل التحرر من الطغيان الإنكليزي، وبتعبير جورج واشنطن قائد حرب الاستقلال ''طغيان أجدادنا الإنكليز''، أيضاً بغض النظر عن الأسباب، أو لماذا إنكلترا ذاتها قبل موقف فرنسا بمائتي عام حررت الجمهورية الهولندية من الظلم الإسباني! وكيف نأتْ الصين بنفسها عن الحرب الباردة بعد اتفاقات ماو - نيكسون مطلع السبعينيات، وقانون جاكسون، فانيك ضد الاتحاد السوفييتي الذي أعقب الاتفاق الصيني الأمريكي! الأمثلة كثيرة والمقصود الإفادة مما تتيحه تناقضات وتعارضات وتطورات العلاقات الدولية، كما تستثمر السياسة الأمريكية وحكومات ''إسرائيل'' التعارضات بين المحاور الإقليمية العربية، وبين تناقضات عديد الأنظمة العربية مع الشعوب العربية• وتستثمر ''الانقسام الفلسطيني المدمر'' وغياب الوحدة الوطنية، في تكثيف تهويد القدس العربية، وزحف استعمار الاستيطان في الضفة الفلسطينية، وحروب ''السور الواقي'' على الضفة وإعادة احتلالها 2002 و''الرصاص المصهور'' على قطاع غزة ,2009 ومحاولات فرض الشروط الإسرائيلية بالمفاوضات المباشرة وغير المباشرة في الضفة وغزة•في المحور الثاني الراهن، بات من غير الممكن الحديث بدقة عن اليسار الديمقراطي ودوره ونهوضه، دون استعراض مجال العلاقات الدولية الراهن، ومن خلال دراسة منهجية لما يحدث في عالم اليوم، والذي يتسم بالترابط المتنامي بين الدول، وفي ظل نظام دولي محكوم عالمياً، يمكن لملمة تفاصيله تحت عنوان بارز عريض اسمه ''العولمة''• ويترافق معها الانفجار في الحركات،الجماعات، الشبكات والمنظمات التي تتداخل في حوار عالمي عام غير محلي، مؤداه النظر في سياسة ومنهج بناء الدولة التي تستطيع مواجهة طغيان موجات المركز العولمي، ثقافات وممارسات إمبريالية الولاياتالمتحدة، القراءة البديلة التي تبين أن الأمور شديدة التعقيد، نظراً لأن الولاياتالمتحدة نفسها غدت مركزاً إمبريالياً على نطاق لم يشهده العالم من قبل• أحد أبرز أهداف هذه المنهجية هو عملية الكشف عن الجانب الثوري والديمقراطي، الذي يقف في مواجهة مفهومها للعلاقات الدولية الراهن، وإضعافها للدول واجتياحها للحدود• ونرى الآن بروز هذه السمة الثورية في بلدان أمريكا اللاتينية في شكلها المتجدد، ومظاهرات عشرات الملايين في أوروبا وأمريكا الشمالية ضد العولمة الرأسمالية المتوحشة، ومن أجل ''عولمة إنسانية في خدمة الشعوب وديمقراطية العلاقات بين عالم الشمال الرأسمالي (المليار الذهبي)، وبين عالم الجنوب العالمثالثي (خمسة مليارات) والعالم المهمش في بلدان المركز الرأسمالي''، وسببها الأساسي تأثير مركز العولمة وعلاقاته الدولية على الشعوب والدول• الأمر الذي دفع مصطلح ''المجتمع المدني العالمي'' إلى أعلى حركات الاحتجاج، بدءاً من رفضه الحروب باعتبارها مناقضة للعلاقات الدولية، وتبرز هنا الدولة والقوى الوطنية اليسارية الجذرية والليبرالية الديمقراطية التي تحرص على تمثيل شعبها، ومعها ''المجتمع المدني العالمي'' على خشبة مسرح التاريخ الراهن•