أجمعت التنظيمات والهيئات المختصة في سوق البناء بالوطن على العجز الكبير المسجل في اليد العاملة المؤهلة موازاة مع المشاريع والبرامج المختلفة الجاري إنجازها في كل الولايات، مقدرة حجم النقص بأكثر من مائة ألف بنّاء على الأقل وحسب أهل الاختصاص من فئات المقاولين وشركات الترقية العقارية، لم تعد مشكلة سوق البناء وتنفيذ المشاريع والبرامج السكنية في آجالها المحددة في الدراسات تقتصر على ندرة المواد الأولية التي تحتاجها عملية البناء مثل الإسمنت، الحديد، الحصى والرمال، بل تعدت لتشمل الموارد البشرية المؤهلة خاصة البنائين المحترفين لمهنة البناء على أصولها، إذ أن أغلب اليد العاملة التي تسير الورشات الكبيرة المفتوحة حاليا مشكلة في مجملها من فئة العمال الهواة المبتدئين الذين يفتقدون للخبرة الكافية، وهو ما ينعكس سلبا على نوعية البناءات التي يتم تسليمها في نهاية المطاف، والتي تُجبر المستفيدين على إدخال تحسينات على شققهم لتغطية بعض العيوب المفضوحة· وتعود الأسباب الرئيسية لهذا الوضع المقلق إلى انعدام مدارس التكوين المختصة لتخريج دفعات كافية من البنائين المؤهلين لإنجاز مشاريع نوعية تتجاوب مع التطور العمراني الذي تسعى إليه البلاد، بدليل أن الأغلبية الساحقة من البنائين الحاليين يتعلمون المهنة بطريقة فوضوية عن طريق الممارسة المباشرة دون أي مقاييس علمية تتوافق مع التطورات التي يشهدها المجال المعماري الحديث، بالإضافة إلى النظرة الدونية السائدة في المجتمع لهذه المهنة بدليل ضعف إقبال الشباب على هذه المهنة اعتقادا منهم بأنها غير لائقة لوضعهم، لدرجة أن الكثيرين منهم يفضلون البطالة والتسكع في الشوارع على ممارسة حرفة البناء· وللتصدي لهذا المشكل الكبير، لجأت السلطات المركزية في السنوات الماضية إلى الشركات الأجنبية المحترفة في مجال البناء لتقليص حجم العجز المسجل ميدانيا، خاصة الشركات الصينية والتركية، إلا أن هذه الحلول برأي ذات المختصين ترقيعية ولن تعود بفائدة كبيرة بقدر ما كانت ستحققه عمليات التكوين المهني لأنها ستفوت الفرصة المواتية لامتصاص البطالة المستأسدة في أوساط الشباب· وتتوقع ذات الجهات تعمق المشكل في المستقبل القريب إذا لم تهتد السلطات المركزية للحلول المناسبة التي بإمكانها توفير العدد الكافي من اليد العاملة المؤهلة لإنجاز المشاريع المبرمجة بطريقة نوعية، خاصة وأن وزارة السكن تتحدث عن برنامج جديد لإنجاز 2,1 مليون سكن أخرى خلال السنوات الخمس المقبلة سيتم الشروع في تجسيده قريبا·