عاد سفير الجزائر في باماكو، نور الدين عيادي، مؤخرا، إلى منصبه بعد غياب دام خمسة أشهر، أي منذ استدعائه إلى الجزائر للتشاور في فيفري المنصرم، على خلفية احتجاج السلطات العمومية على رضوخ الحكومة المالية للضغوط الفرنسية، وإفراجها عن عناصر إرهابية من تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي مطلوبة لدى القضاء الجزائري، استجابة لمطالب التنظيم مقابل تحرير الرهينة الفرنسية بيار كامات. لم يكشف بالضبط عن تاريخ عودة السفير نورالدين عيادي إلى منصبه، حيث تناقلت بعض المصادر الإعلامية أن عودته كانت في نهاية جوان، وأخرى نقلت أنه عاد في 28 جويلية، أي بعد العملية العسكرية التي نفذتها القوات الفرنسية والموريتانية قبل أسبوع، وتكون الدولتان بقرار عودة السفير قد آثرتا “المصلحة الجماعية” والعمل على مستوى أوسع لمواجهة التهديد الإرهابي في منطقة الساحل، الذي حركته باريس مؤخرا، وذلك في إطار استراتيجية أمنية منسجمة، تمكن من تحقيق نتائج ملموسة عاجلا، لمواجهة “تهديد لا ينتظر”. وبينت العملية العسكرية الفرنسية - الموريتانية ضد أحد مواقع القاعدة في مالي مؤخرا، وما تبعها من “هزات”، الحاجة الملحة إلى ضرورة التركيز على العمل الجماعي لدول المنطقة أمنيا وسياسيا، وأهمية التوصل إلى منهج إقليمي، يثبت فعاليته على أرض الواقع، خاصة بالنظر إلى محاولة بعض الأطراف الخارجية، منها فرنسا، استغلال التصدع الإقليمي بين دول الساحل للتدخل تحت غطاء مكافحة الإرهاب، وهو ما ترفضه الجزائر وتعتبره منافيا للمبادئ التي تريد أن تكرسها في مكافحة الإرهاب، حيث تفضل العمل بين الدول المعنية دون إلغاء إمكانية الاستفادة من الخبرات والمساعدات الأجنبية. كما أن “تصرفات” باماكو الأخيرة، “طعنت” في الاتفاق الأمني لمكافحة الإرهاب في الساحل، الذي أنشأت لأجله قيادة مشتركة في تمنراست، وساعدت على إضعاف بعض الحكومات و منح قوة أكبر للجماعات الإجرامية والإرهابية المسلحة، فضعفها لا ينعكس عليها وحدها، والتصرف “الانفرادي” لأي دولة من دول الساحل يلغم التنسيق الأمني، ويفتح باب التدخل الأجنبي من جهة، ويقوي شوكة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، من جهة أخرى. وتشير إعادة الجزائر لسفيرها بباماكو إلى بداية زوال التوتر والاحتقان الذي ميز العلاقات الثنائية، وقد يكون بداية عهد جديد للتعاون والتنسيق في المنطقة. وكان الرئيس المالي، أمادو توماني توري، قد أعرب عن أمله في تحسين تنسيق العمليات ضد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، عقب لقائه وزير الخارجية الفرنسي، برنار كوشنير، وقد تكون مالي “اتعظت” قليلا من العملية العسكرية الأخيرة، ورأت التنسيق الأمني بين دول الساحل لمكافحة الإرهاب بعيون أخرى وبأكثر منطقية. ومن جهة أخرى جددت السلطات الفرنسية تحذيراتها إلى رعاياها المتوجهين إلى الجزائر، أو المارين عبرها، من أجل حصر تنقلاتهم داخلها في الضرورة، واستدلت بالعلمية الانتحارية التي نفذت مؤخرا في تيزي وزو.