مما لا شك فيه أن يوميات المواطن البجاوي لا تختلف كثيرا عن يوميات المواطن الجزائري في رمضان، ولكن تطبعها بعض الخصائص والمميزات التي حاولت “الفجر” رصدها لكم ذلك بعد القيام بجولة رمضانية في أحياء، أزقة وشوارع بجاية الزلابية والزيتون...أطباق تراجعت وأخرى فرضت نفسها البداية كانت من حي الخميس، الذي يعتبر القلب التجاري لمدينة بجاية وقد لمسنا منذ صبيحة اليوم حركية غير مألوفة وإقبال متزايد على المحلات والأسواق، ولدى تنقلنا إلى السوق المغطاة لم نستطع الدخول لكثرة الزبائن الذين توافدوا لاقتناء الضروريات وحتى الكماليات من المواد الاستهلاكية المتنوعة والتي كانت أسعارها كالعادة مرتفعة، ورغم ذلك فالمواطن ليس له الخيار وما عليه إلا ملء القفة والعودة بها إلى المنزل حتى وإن كلّفه الأمر أن يقترض النقود أو أن يبقى لساعات في طوابير المحلات التي استرجعت شعبيتها في هذا الشهر الفضيل. وبالإضافة إلى الأسواق والمحلات، فتجارة الأرصفة لها نصيبها من كعكة شهر رمضان، ورغم خطورة الشروط التي تباع فيها هذه المواد الاستهلاكية، إلا أن المواطن يجد نفسه مضطرا للشراء ليربح بعض الدينارات حتى ولو كان على حساب صحته. اكتظاظ في المساجد وأرصفة تتحوّل إلى مكان لصلاة التراويح الوجهة الثانية هذه المرة كان مسجد ابن باديس، الذي يقع قرب مؤسسة إعادة التربية بنفس الحي، وعند سماعنا أذان الظهر لاحظنا وفودا بشرية لامتناهية متجهة إلى المسجد، ولدى دخولنا شد انتباهنا تلك الطوابير الطويلة في قاعات الوضوء. وحسب أحد المصلين، فإن المسجد يتسع لأكثر من ألفي مصلي، ولكن في شهر رمضان يزداد عددهم لنجد أنفسنا في هذه الحالة، أما في صلاة التراويح فتتحول أرصفة شارع الحرية إلى صفوف للمصلين الذين لا يستطيع المسجد استيعابهم.نفس الحالة يشهدها مسجد الكوثر، الذي يعتبر من أكبر المساجد في بجاية والذي يقع بحي أعمريو ولا يبعد إلا بعشرات الأمتار عن مقر الولاية، حيث ورغم مشروع التوسيع الذي شهده، إلا أنه لا يزال يعاني هو الآخر اكتظاظا كبيرا. مساجد أخرى شرق الولاية لم تسلم من ظاهرة الاكتظاظ والازدحام شأنها شأن مسجد أبو بكر الصديق الذي يقع بقلب خراطة (60 كلم عن مقر الولاية) ومسجد “درقينة مركز” الذي كان في عهد الاستعمار كنيسة ثم تمّ تحويله إلى مسجد، لم يشهد أي عملية توسيع منذ ذلك الوقت رغم تزايد عدد المصلين يوما بعد يوم وعاما بعد آخر لتتزايد معهم حكاية الازدحام والمعاناة في رمضان. و لكن هذه السنة كللت جهود الجمعية الدينية لمسجد سعدان بإتمام الطابق الأرضي والأول ليخف بعض الزحام والاكتظاظ الذي ما يزال يعيشه المصلون. طوابير لامتناهية على مكاتب الإدارة ومصالح الحالة المدنية مسألة الازدحام في الأسواق والمساجد لم تغادر أذهاننا، بل زادت حدتها عندما قصدنا مصالح الحالة المدنية ببلدية بجاية التي كانت مكتظة عن آخرها. ورغم تشغيل مكيفات الهواء بداخلها، إلا أننا أحسننا بنقص مادة الأكسجين نظرا للإقبال المتزايد للمواطنين خاصة مع تزامننا مع قرب الدخول المدرسي والاجتماعي، الذي يجعل الطلب على وثائق الحالة المدنية يحطم أرقاما قياسية. ورغم كل هذه المعاناة التي أثقلت كاهل المواطن، إلا أن الجانب الآخر من وراء الشبابيك لم ولن يستطيع تلبية رغبات كل المواطنين وإرضائهم، ولكن ما زاد في دهشتنا أكثر هو تواجد أكوام من الدفاتر العائلية على المكاتب. وحسب شهادة أحد الموظفين، فإن هذه الدفاتر قد تبقى هنا لعدة أيام، أما موظف آخر فأرجع المسؤولية على المواطن الذي ينتظر حتى الدقائق الأخيرة ليتجه إلى البلدية رغم عمله أن الحجم الساعي للعمل يتقلّص في هذا الشهر. وبين هذا وذاك، بقينا مذهولين دون إيجاد سبب مقنع لهذه الحالات. عائلات تقصد الأماكن العامة وأخرى تفضل السهر على رمال البحر مع اشتداد الحرارة في الأيام العشر الأولى من رمضان وبعد أن أصبحت الشواطئ شبه خاوية من المصطافين لم تجد بعض العائلات البجاوية سوى اتخاذ البحر وجهة لها بعد الإفطار وصلاة التراوح، حيث يشهد شاطىء “نسيم البحر” إقبالا معتبرا للعائلات لقضاء ولو ساعات تحت مداعبات أمواج البحر وسط جو عائلي متكامل يقضي على آهات يوم متعب ويمنح الطاقة اللازمة لاستقبال يوم جديد. اقتربنا من أحد المواطنين وكان بصحبة زوجته وبناته حيث صرح لنا أن بجاية في رمضان وككل عام تشهد حركية واسعة خاصة بعد الإفطار، وفي ظل توفر شروط الأمن والأجواء العائلية، فإن المدينة لا تختلف لياليها عن ساعات النهار بل يمكن القول إن حركة المرور والعائلات وحتى الشيوخ ليلا أكثر منها نهارا. وسرعان ما تأكدنا من ذلك عندما قصدنا ساحة أول نوفمبر أو “لابلاس قيدون” سابقا ووجدناها تعجّ بالعائلات التي تفضل الاستمتاع بزرقة البحر وخليج بجاية من هذه الساحة التي تطل على الميناء وتمنح فرصة للزائرين باقتناء بعض حبات القلب اللوز والبقلاوة. غير بعيد عن ساحة أول نوفمبر، معظم المقاهي التي كانت في طريقنا وجدناها مكتظة هي أيضا بالزبائن. حديقة باستور وسط المدينة هي الأخرى كانت مليئة بالشباب والشيوخ. وما شد انتباهنا واستوقفنا هو منظر لثلاثة شيوخ يتحلقون طاولة ويتبادلون أطراف الحديث وقد وصلت أسماعنا ضحكاتهم، ومن شدة فضولنا قطعنا عليهم الجلسة وسألناهم عن سبب اختيار هذا المكان للسهرة، فقال عمي الطاهر وهو متقاعد ورب عائلة إن هذا هو المكان المفضل عندهم، ففي النهار يجتمعون هنا للعب الدومينو والدامة والاطلاع على أخبار اليوم من الجرائد، أما في الليل وبعد الإفطار فلا المقاهي ولا البحر ولا حتى المنزل يعوضون عليهم هذا المكان “الذي نبوح فيه لبعضنا أسرار الصبا ومغامراتها، إذن هي قصة مكان ألفناه وألفنا هو الآخر” يقولها عمي الطاهر ويضحك. تراجع ملحوظ في تجارة الزلابية وإقبال غير معهود على اقتناء أنواع الزيتون في اليوم الموالي قصدنا بعض المحلات التجارية المتواجدة بشارع الحرية والكثير منها تحوّلت إلى العمل بمنطق “في الشتاء نبيع الملابس وفي رمضان الزلابية” حسب تعليق أحد المارة. ولكن رغم كون مادة الزلابية من الأطباق والأكلات التي لا تغيب عن مائدة الجزائري، إلا أننا لمسنا تراجعا ملحوظا في الإقبال عليها ولما سألنا صاحب محل يبيع الزلابية قال إن سبب ذلك يعود إلى غلاء المواد المستعملة في تحضير هذه الحلويات كالزيت والسكر وأما السبب الآخر هو المراقبة الشديدة التي فرضتها مصالح النظافة والجودة وقمع الغش، الشيء الذي أدى إلى غلق وإيقاف نشاط العديد من التجار. هذا، بالإضافة إلى التعليمة الوزارية الصادرة هذه السنة والتي تمنع رؤساء البلديات والدوائر من منح أي ترخيص مؤقت لمزاولة أي نشاط تجاري طيلة شهر رمضان. غير بعيد عن محل الزلابية وبالسوق المغطاة لاحظنا طوابير طويلة أمام باعة مادة الزيتون بكل أنواعها. حاولنا استراق بعض اللحظات من صاحب أحد المحلات لبيع الزيتون الذي كان منهمكا في تلبية طلبات الزبائن للحديث معنا، فاكتفى بالقول إن القبائل بلاد الزيتون وإذا وجدت طاولة أو مائدة رمضان يغيب عنها الزيتون فتأكد أنها ليست مائدة قبائلية أصيلة.