جزم الدكتور يوسف القرضاوي، في مذكراته التي تنشرها يومية ”الخبر”، بأن البروفيسور محمد أركون المتخصص في دراسات الفكر الإسلامي، لا يؤمن بالشريعة الإسلامية، وأن الطالبة أسماء بن قادة قد أبهرت العلماء المشاركين في ملتقى الفكر الإسلامي بعلمها، وتجسيدها البليغ للصحوة الإسلامية في بلادنا. ولأن المسألة تتعلق بشخصيتين جزائريتين؛ فإنه من واجبي أن أبدي بعض الملاحظات حول مضمون ما جاء في السيرة الذاتية للشيخ العلامة بخصوص هاتين الشخصيتين، مع ما بينهما من فوارق معرفية فلقد اكتفى القرضاوي ببضع جمل غير دقيقة للحكم على أركون بالإستيلاب وعدم الإيمان بالشريعة الإسلامية وصحوتها في الجزائر، ولم يشر لأيّ من مؤلفات أركون ودراساته، معترفا أن لقاءه به كان مجرد صدفة (في طريقه إلى الفندق) مكّنته رغم ذلك من اكتشافه الخطير لحقيقة هذا المفكّر غير المؤمن، أقول بضعة أسطر فقط، فيما استحوذت أسماء بن قادة على بقية المقال والحلقة الموالية له.. يا للعجب.. العالم الجليل يكفّر البروفيسور المرموق والمشهود له في كبريات جامعات العالم بجرة قلم غير مسترسل في الفحص والتحليل والتدقيق، ويرفع من شأن الطالبة أسماء، التي تزوجها فيما بعد، وهو يصوّرها كما لو كانت اكتشاف الملتقى الكبير، مستشهدا بكلمة لها، لم أجد فيها - أنا شخصيا - ما يستحق الذكر أو الوقوف بأكثر من جملة بسيطة ومفيدة. القرضاوي يستخف بقامة فكرية بحجم أركون، فيطلق عليه رصاصة الرحمة، متهما إيّاه بالخروج من ملة الإسلام، دون أن يقدم دليلا معرفيا أو شرعيا لتبرير موقفه هذا. كأن لسان حاله يقول إن ما يقوله القرضاوي لا يحتاج إلى تدليل.. بمعنى أنه كلام يجب الأخذ به دون نقاش.. إنه الحقيقة المطلقة. فالقرضاوي لا ينطق عن هوى.. أركون لا يؤمن بالشريعة الإسلامية، وهو بذلك مرتد عن الإسلام، لأن طريقة لباسه ولغة حديثه لا تعجب القرضاوي، والدليل القاطع على إلحاد أركون هو عدم إطلاقه اللحية، وتفضيله بدلة ”الألباغا” على القميص الشرعي، وقوله (الإسلاموية) بدل (الإسلامية) و(التاريخانية) بدل (التاريخية) على خلاف ما يقول القرضاوي وعلماء الدين. أ ما أسماء بن قادة التي أبهرت العلماء وشيوخ الإسلام فقد خصّها الشيخ بالتبجيل، وروى لنا كيف جسّدت الصحوة الإسلامية، من خلال ارتدائها للحجاب. ويا سلام على هذه الصحوة المستدلّ عليها بقطعة قماش وليس بمجهود الفكر الخلاّق.. (صحوة) راحت على إثرها زميلات الطالبة أسماء يسألن الشيخ عن الحبّ لوجه الله تعالى، فبشّرهن بإمكانية وقوع هذا الحب.. غير أنه في النهاية لم يكن لوجه الله تعالى. فالقرضاوي الذي نادى على أسماء بن قادة بلفظ (يا بنيّتي) لم يصمد أمام جمالها وحسنها، وروى لنا كيف أرسل إليها رسالة حبّ للتعبير عمّا ألمّ بقلبه من مشاعر باركها الله، فتقدّم إلى خطبتها وتزوجها رغم الفارق الكبير في السّن بينهما كما يقول. فهل يعقل يا شيخنا الجليل أن نتزوّج بمن كنّا نعتبرها فلذة من فلذات أكبادنا؟ وإذا كان الزواج مسألة شخصية لا تهمّ إلا صاحبها، ولا تدعوه إلى تقديم أيّ تبرير، فإن القرضاوي وبدل أن يستغرق جهده الفكري في تبرير اتهامه لأركون بالكفر وعدم الإيمان بالشريعة الإسلامية، وما قد ينجرّ عن مثل هذا الاتهام الخطير، فإنه قد راح يعدّد محاسن الطالبة أسماء ونسبها العريق والمبارك وكيف أن زاوجه منها لا يختلف عن زواج الأنبياء والرسل والصحابة، درءاً لأيّ ملاحقة أخلاقية قد تطعن في مصداقية الشيخ رئيس الاتحاد العالمي لعلماء الإسلام. وبهذه الضربة الاستباقية قد يتفادى الشيخ لومة أيّ لائم، فيحصّن صورته من أيّ تحليل نفسيّ قد يحاول قراءة الإقدام على الزواج من قبل شيخ طاعن في السّن بمن كان ينادي عليها بلفظ ( بنيّتي). مبروك عليك يا شيخنا الجليل الزواج من بنت جلدتنا، السيدة المحترمة أسماء بن قادة.. فهذا شأن خاص، لا يحقّ لي التعليق عليه إذا كنت قد تعاملت معه من باب الخصوصية، أما وقد جعلت منه شأنا عاما يهم الناس، ومعطى أساسيا في مسار الصحوة الإسلامية ببلادنا، فمن حقّي أن أرفع علامات التعجّب والاستفهام والحيرة، ومن حقّي كذلك أن أطلب منكم التدليل العلمي والشرعي الموثقين، لاعتباركم البروفيسور محمد أركون غير مؤمن بالشريعة الإسلامية، لأن مجرّد لقاء لكم به - صدفة - في طريقكم إلى الفندق، لا يبدو كافيا لإطلاق ما أطلقتم عليه من أحكام نهائية غير قابلة للطّعن، لما تحوزون من قيمة دينية وعلمية في أوساط الجزائريين. فلقاء مثل هذا قد يكفي لتحديد المحاسن الجسدية لامرأة عابرة، ولا يكفي أبدا للحكم على أفكار مفكّر بحجم و مصداقية أركون العلمية؛ ولكم مني خالص عبارات التبجيل والاحترام.