على بعد كيلومترات غربا مدينة عنابة يقع مقام رأس الحمراء وأولياء سيدي منور والشيخ عبد القادر الذي يتوافد إليهم زوار بونة من أجل أخذ بركتهم وتقديم الوعدات، واستعمال الشموع والبخور حيث يكتض المكان كل أمسية صيف بمختلف أنواع السيارات الفاخرة أغلب أصحابها من المغتربين الذين يأتون من كل حدب وصوب للاحتفال وإحياء زردة العرش والتي يشترك أهالي المنطقة في إعداد مأدبتها كل على حسب مقدوره ويكون الطبق الغالب فيها هو الكسكسي المرصوص بلحم الخروف الجبلي. وحسب خالتي زينت وهي خليفة لزاوية “رأس الحمراء”، فإن الزردة تقام يوم الجمعة حيث يجتمع كل أفراد العرش، أو في الأعياد الدينية كالمولد النبوي الشريف خاصة النسوة لإعداد الكسكسي أما الرجال فمهمتهم ذبح الشاة وغسلها في حين يتكفل الأطفال بجمع الحطب للموقد حيث تذبح بقرة أو شاة ثم توزع على جميع عائلات الدوار بالتساوي. ويطلق على هذه الوزيعة باللهجة العنابية “النفقة” فمن كان له مال يدفع ومن كان فقيرا فليس له أن يدفع. أما الوعدة - تضيف ذات العجز- فإن بعض العائلات تقدم القربات للوالي الصالح من أجل تحقيق شيء معين مثل النجاح في البكالوريا أو الزواج أو الهجرة إلى أوروبا. وغير بعيد عن مقام “رأس الحمراء” توجد صخرة ضخمة للولية لالاة رحيلة وهي أخت للأئمة الثلاثة. هذا المقام يطل على البحر من مكان مرتفع جدا وحسب الروايات المتدالة، فإن الناس يذهبون إلى مقام لالة رحيلة من أجل أن يشعلوا الشموع ومن يرغب في الرحيل عليه أن يضيء شمعة في المكان ويتمنى الرحيل، وما أكثر الراغبين الذين يترددون عليها لأجل حلم الهجرة خاصة من الشباب الحراڤة. وفي الناحية السفلية من المقامات توجد فسحة واسعة يقيم عليها الناس بعض حفلات العيساوة وهي ما يسمونها ساعات من التجلي والتوحّد والدعاء والتقرب إلى الله. وتقبع تلك المقامات وصخرة لالة رحيلة على جبل يدعونه “رأس الحمراء” وتعود التسمية إلى هجرة بني الأحمر من الساقية الحمراء ووادي الذهب إلى عنابة. وخلال زيارتنا لمقامات الأولياء بعنابة لاحظنا توافدا قويا للسياح والزائرين يأتون لإشعال الشموع والبخور إضافة إلى ذبح الديكة. وحسب شيخ الزاوية، فإنه من يذبخ مرة عليه أن يعود كل عام. غيرنا الوجهة نحو نقطة أخرى مقابلة للبحر وغابات السنديان وأشجار الدفلة وافرة الظلال حيث يوجد مقام آخر يسمى “سبعة رڤود” وهم أولياء وجدت أسماؤهم ولم يعثر لهم على قبور تزورهم العائلات العنابية من أجل التبرك، فحتى العروس بعنابة لها طقوسها الخاصة قبل أن تزف لبيت زوجها حيث تزور “العطارة” وهي عبارة عن صخرة تنبثق منها المياه المعدنية التي تتمازج مع أمواج البحر من أجل وضع قطرات من مياهها في حنة العرس لتلطخ بها الصخور ثم يدها. وحسب عادات وتقاليد أجدادنا، فإن في الأمر بركة. غادرنا هذه المقامات ملخفين وراءنا الشموع وروائح البخور ثم نزلنا إلى بونة الجميلة التي وجدناها تتلالأ كعروس بالأضواء والألوان الساحرة وبدأنا بالسير على الكورنيش للتلذذ بمناظره الخلابة التي تختص بها عنابة المحروسة ب 99 وليا صالحا والتي لا تنام حتى الصباح.