العلوش في الجزائر استكبش على مستوى الأسعار.. والسبب بعضه يتعلق بزيادة الأجور.. وبعضه الآخر يتعلق بنزول الأمطار بغزارة وفي وقتها ما ينبئ بعام معشوشب.. وبالتالي توفير مبالغ الأعلاف للموالين! الغريب في الجزائر أنه عندما ينزل المطر تزيد الأسعار ولا تنقص كما يقول المنطق! وهو أمر غريب في الجزائر ولا يخضع لأي منطق اقتصادي! عندما ينزل المطر بكميات مقبولة تزيد أسعار البطاطا! والسبب لأن الأوحال لا تسمع للفلاحين بجني محصول البطاطا في الحقول بالكميات المطلوبة ولذلك يرتفع السعر! وعندما تنزل الأمطار أيضا تحدث الأزمة في حركة المرور وبالتالي لا تصل المحاصيل المجنية إلى الأسواق.. ولذلك ترتفع الأجور! حتى ورش البناء والأشغال العامة تتوقف عندما ينزل المطر بغزارة ويعد المقاولون فواتير إعادة تقييم المشاريع ويقدمونها إلى الدولة لدفع ثمنها تحت بند القوة القاهرة التي تؤخر الإنجازات! في البلدان الأخرى الأشغال تتم وسط البحر ولا تتوقف.. وعندنا تتوقف الأشغال بالقوة القاهرة التي تسمى المطر والدولة تقبل إعادة التقييم.. ولذلك تلتهب أسعار الإنجازات من الطرق والسكنات والمدارس والمستشفيات! باختصار المطر نزوله نعمة على المقاولين والموالين والفلاحين ونقمة على المستهلكين من المواطنين! حتى السدود التي شيدها السلال.. تمتلئ بالمياه وبالأوحال أيضا.. ويؤدي الأمر إلى صعوبات إضافية لتزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب! وباختصار نزول المطر في الجزائر مصيبة وعدم نزوله مصيبة أيضا! ورغم أن نزول المطر عندنا موسمي فإن كوارثه كبيرة وتمتد على طول السنة.. ولسنا ندري كيف يكون حال البلد لو أن نزول المطر يستمر نصف سنة أو طوال السنة وبكميات كبيرة مثلما هو الشأن في بلدان أوروبا أو أواسط إفريقيا أو في آسيا! ماذا سيكون وضع البلاد لو أن الأمطار نزلت بقوة عندنا كما تنزل في الصين أو باكستان أو بنغلاديش.. كيف سنتعامل مع الأوضاع؟! كم سيكون سعر البطاطا والجزر؟! في العالم كله عندما ترتفع أسعار المحروقات يزيد سعرها في المحطات المخصصة للتوزيع.. وعندما تنخفض الأسعار في السوق العالمية ينعكس ذلك على مستوى المحطات.. لكن عندنا تبقى الأسعار هي هي.. في جميع الحالات والحكومة هي التي تقرر الزيادة ولا تقرر النقصان أبدا! ومع ذلك يقال عندنا إن اقتصاد السوق هو الذي يحدد الأسعار وليس الحكومة! اقتصاد السوق عندنا له فقط اتجاه تصاعدي في الأسعار وليس له جوانب أخرى تتعلق بنقص الأسعار. صحيح أن جل المواد الأساسية في الجزائر تحت مستوى حركة السوق.. مثل الحليب والخبز وغيرهما.. إلا أن الخضر والفواكه واللحوم تبقى دائما خارج قانون السوق أيضا بفعل سيطرة السماسرة الذين يأخذون أضعاف ما يأخذه المنتج.. وكأن هؤلاء يتمتعون بحماية اجتماعية من الحكومة.. فلا تطالهم أبدا يد الحكومة.. حتى بات المواطن الغلبان يعتقد أن السماسرة لهم سطوة أكبر من سطوة الحكومة! الطريف في الأمر أن العمال في الجزائر يناضلون سنوات طويلة من أجل تحقيق زيادة بسيطة.. وتقوم الحكومة بالإعلان عنها قبل صرفها للعمال.. ليأخذ السماسرة احتياطاتهم ويزيدون في الأسعار بطريقة جنونية.. وتذهب الزيادة إلى جيوب السماسرة قبل أن تصل إلى جيوب العمال! الغيث الذي ينزل بالجزائر يكون دائما نكبة وليس نعمة.. تماما مثل الثروات التي تكتشف في الصحراء وفي غير الصحراء.. حيث يصل نفعها إلى أقاصي الأرض ولا يمس المحيطين بها! المضحك في الجزائر حقا أن أسعار المواد الغذائية عندما تصعد لا تهبط أبدا.. تماما مثل المسؤول في الجزائر إذا صعد لا يهبط حتى ولو أحدث الكوارث في تسيير المنصب الذي يسند إليه! عندما أصبحت البطاطا قبل سنوات بسعر التفاح لم تهبط عن هذا السعر إلا قليلا.. واحتج التفاح على موقعه في السلم الاجتماعي للمواد الغذائية فقرر أن يضرب سعره في 4..! احتجاجا على مساواته بالبطاطا! في الجزائر سعر الماء المعدني يزيد عن سعر البنزين! وسعر أعلاف الحيوانات تزيد عن أسعار أعلاف الإنسان! وكل هذا تقرره الحكومة بالسوق أو بدونه! لذلك صدق من قال: إن كل شيء في الجزائر يزيد سعره إلا الإنسان! وعندما يصبح للإنسان في الجزائر قيمة مثل المواد الغذائية عندها فقط نقول: إن الأزمة في طريقها إلى الحل!