في حوار أجريناه مع خبير الشؤون الاقتصادية والزكاة، فارس مسدور، بمناسبة عيد الأضحى المبارك، للحديث عن غلاء أسعار الماشية وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني وميزانية المواطن، أكد الخبير أن الحل يكمن في إنشاء شركات ومؤسسات عمومية لتربية المواشي والأغنام، تحت إشراف الحكومة وإداراتها، مع خوصصة التسيير لإشراك الخواص والموّالين في العملية تخفيض الأسعار يساهم في نمو ثروة الموّال والعكس يؤدي إلى خسران النعمة بهدف مراقبة “بارونات” الأسواق، الذين لا يرحمون المواطن رغم رحمة الخالق لهم بالغيث ووفرة الكلأ، ولم يعتبروا لمصائبهم السابقة، منها احتراق أكثر من ألف رأس ماشية بتسمسيلت، باعها بعض الموّالين “جيفا” للمستهلكين، ولكم أن تتابعوا معنا تفاصيل كل هذه النقاط في هذا الحوار... السلام عليكم، نريد الحديث معكم عن مسألة غلاء الأسعار التي تعرفها أسواق المواشي هذه الأيام، عشية عيد الأضحى المبارك، لا سيما وأنكم مختصون في شؤون الأوقاف والاقتصاد معا. وعليكم السلام، بخصوص الحديث عن غلاء أسعار المواشي، فأقول لكم إن بارونات الأسواق والمحتكرين وراء هذا الغلاء، وهي ميزة هذا العام، والأسعار المفروضة تتجاوز القدرة الشرائية للموظفين الأجراء، فضلا عن العمال اليوميين، ولا تعكس فضل الخالق على خلقه، حيث كان الأجدى بالموّالين تخفيض الأسعار، بما أن الخالق أغاث الأرض بعد جفافها وكفِل العلف للماشية، وعوض “شكر” نعمة الله، يمارس هؤلاء سياسية “خسران” النعمة، بممارسة “الاحتكار” على حساب المستهلك، ولم يعتبروا لما مضى، وهم ماضون في سياستهم التي لا تمت بصلة للتعاملات الدينية واحترام شعائر الأعياد. نفهم من كلامكم أن الموّالين لم يستوّعبوا الدرس بعد، ولا يشكرون النعمة أيضا؟ يجب أن يعتبر الموّالون لما يحدث لهم بسبب احتكارهم للأسعار وتلاعبهم بالمستهلك، ومن أمثلة غضب الله عليهم، احتراق أزيد عن 1000 رأس ماشية بولاية تسمسيلت، باع منها بعض الموّالين “الجيف” الميتة للمستهلكين، وانتشار أمراض خطيرة أتت على قطعان من الماشية بغرب الوطن، خصوصا وأن ولاية النعامة تمتلك ثروة هائلة، حيث يتحدث موّالوها ب “العصي” وكل عصي فيه 1000 رأس، ويتراوح معدل ثروة الشخص الواحد بنحو 5 عصي، أي 5 آلاف رأس “ولم يذكر الخبير تفاصيل أخرى عن حادثة تسمسيلت وانتشار الأمراض، مكتفيا بدعوة الموّالين لأخذ دروس الأمس عبرة يعتبرون بها مستقبلا”. هل حقيقة يستغل الموّالون فترة نزول الغيث لرفع أسعار الماشية، وماذا عن “الغلة” ووفرتها هذه الأيام؟ هي حقيقة واضحة، يترجمها الموّالون عبر الأسواق، برفع الأسعار وفرض منطقهم على المواطن، وعوض الشكر على نعمة الغيث، يستغل هؤلاء الفرصة للاحتكار، وهي خطوات الهاوية طبعا، حيث يمتنع المواطن عن الشراء و”تبور” الماشية، خصوصا وأن هذه الفترة المتزامنة مع عيد الأضحى، تعد من أهم فترات التسويق بالنسبة لهؤلاء، لكنهم انتهزوا وفرة “الغلة” بعد نزول الغيث، ولم ينتبهوا إلى تراجع مبيعاتهم وعواقب ذلك على مردودية موسمهم الفلاحي ككل. وماذا عن حلول الدولة فيما يخص الاستيراد لمواجهة تلاعبات المحتكرين؟ يجب أن تتخذ الدولة خطوات ميدانية، فلا هي تحرّكت ولا الموّالين خفّضوا الأسعار، ويبقى المواطن يدفع الثمن غاليا، ويقدمون وعودا بالتخفيض لترويض الدولة، حفاظا على قوتهم في احتكار الأسواق، وما عدا هذا لا خطوة برزت إلى الوجود. ولا يمكن مواجهة التلاعبات بالاستيراد، لأنه ليس الحل الأمثل، ولو يكون ذلك، فإنه من الواجب اختيار الوجهة المناسبة من حيث الذبح والنوعية. “السودان بلد مسلم وهو بحاجة إلينا وأعتبره الأفضل من بوذية الهند” نفهم من هذا أن وجهة الاستيراد التي اختارتها الدولة سابقا ليست مناسبة، أليس كذلك؟ بلى، ليس سهلا أن تتعامل مع بلد بوذي مثل الهند، فيما يخص استيراد اللحم “الحلال”، وطريقة الذبح التي لا تمت بصلة للإسلام، وما تبع تلك الخطوات من ضجة إعلامية وسخط المواطنين، في حين كان سهلا على الدولة أن تستورد من السودان، البلد العربي والمسلم، الذي يمتلك سلالات عالية الجودة من حيث اللحوم، ومعروف دوليا بميزة ثروته الحيوانية كمًا ونوعا، والأسعار معقولة وفي متناول القدرة الشرائية للجزائريين، دون أن ننسى أن السودان بلد يعاني من حرب داخلية، وهو في حاجة إلينا، ويكفي أن نعتبر لدروس الأمس، حين كانت الجزائر بحاجة إلى من يقف معها، وقد أثبت السودانيون كرمهم معنا خلال مباراة السد مع مصر بأم درمان، ويكفينا أنهم يبيعون لحما “حلال” بشهادة الدول العربية والغربية التي تستورد منها، وليس الأمر كذلك مع الهند بتيارها البوذي وأسعارها التي تفوق قدرة مواطنينا، ومن دون نوعية ولا جودة عالية. حدّثنا أستاذ عن انعكاسات “احتكارات” الموّالين على الاقتصاد الوطني، وميزانية المواطن؟ تؤثر هذه الاحتكارات سلبا على الاقتصاد الوطني، بما أنّها تؤثر على ميزانية المواطن، وتأخذ منه ميزانية كبرى سنويا يخصصها لاقتناء الأضحية، وتخسر الدولة من ناحية الدعم والتحفيزات والإعفاءات التي تقدمها للموّالين لمساعدتهم على تربية المواشي، لكنها لا تجن شيء، وبالعكس يغرق المواطن في سوق محتكرة، يتدخل فيها حتى “السماسرة” للتلاعب بالأسعار، وبالتالي تبقى محاولات الدولة فاشلة أمام هؤلاء، وتبقى مخططاتها تراوح مكانها، ولا تفعيل لسياسة تخفيض القدرة الشرائية، أمام غلاء الأسعار، ويبقى المواطن يدور في فلك الوعود، تارة من الدولة وتارة أخرى من الموّال. لكن الواقع يؤكد تغريمه بآلاف الدينارات لاقتناء الأضحية، بالرغم من أنني أكرر أن هذه السياسة لا تخدم الموّال في حد ذاته. وكيف لا تخدمه، هل من تفصيل أكثر؟ في حال إصرار الموّال على فرض سعر البيع على المواطن، وبأثمان غالية تتجاوز قدرته الشرائية - كما قلنا- يمتنع المواطن عن الشراء، ولو على حساب شعيرة عيد الأضحى، ولا يكلف نفسه ما لا يطيق، وبالتالي فإن ماشية الموّال ستعرف تكدسا مع مرور الوقت ولن يجني أرباحا قياسية من ثمن تعبه على التربية والرعي، وسيضطر لاحقا إلى البيع بأسعار جد معقولة لسماسرة السوق، المُحركين لمثل هذه التلاعبات في كل مناسبة دينية أو احتفالات الأعراس، وعكس ذلك، في حال تخفيض الأسعار، سيبيع الموّال رؤوس الماشية، ويتحرك النشاط التسويقي، ويرتفع رقم أعماله، ويوفر أيضا أثمان العلف والتربية تحضيرا لموسم فلاحي جديد، ولن يخسر هكذا، وتتحول هذه التخفيضات إلى “نعمة” يتمتع بها وتخدم الزبائن أيضا، خصوصا مع مناسبة العيد. وما هي حلول الدولة في رأيكم - خارج الاستيراد - لمواجهة تلاعبات الموّالين؟ يجب أن تواجه الدولة تلاعبات الموّالين وفق استراتيجيات وبرامج تنموية، وهي مطالبة باستحداث شركات عمومية لتربية المواشي والأغنام، مع خوصصة التسيير ومراقبته، أي بمعنى آخر، أن تشرف الحكومة على إدارة الشركات لمنع احتكار الأسعار، وتتولى عمليات التسويق ومراقبتها، مع تحديد الأسعار مسبقا، على أن يتولى الخواص تسيير هذه الشركات من حيث التربية والرعي وأمور أخرى، مقابل أقساط من الفوائد، وهو الحل الأمثل للقضاء على التلاعبات واحتكار السوق. وهي الخطوة التي من شأنها تخفيض فاتورة استيراد اللحوم، وكذا اكتساب تجربة فلاحية ناجحة، بما أن الظروف الطبيعية والمالية والبشرية متوفرة حاليا، ينقصها التفعيل الميداني. إذن الحلول في القطاع العمومي، أليس كذلك؟ ضروري أن يتم إنشاء شركات عمومية، خصوصا وأن ضعفاء القلوب من الموّالين، يتلاعبون بالمستهلك عشية العيد، ولا بد من محاربة “السماسرة” ببرامج اقتصادية لا يقدرون على مواجهتها ولا الاستثمار فيها، وأؤكد لكم أن بعض الموّالين لا يؤدون الزكاة إطلاقا، ولا يشكرون النعمة نهائيا، وهمهم الأموال لا غير، والإسلام قد حدّد زكاة الأغنام مثلا بشاة من كل 40 شاة، أي من يملك هذا العدد يزكي واحدة، وهناك أحكام في الزكاة وتوزيعها، غير أن أغلبية الموّالين لا يفقهونها، وهناك من يجهلها تماما ولا يبحث عن تأديتها لمحتاجيها، ويكفرون النعمة التي أنعمها عليهم الخالق، لذلك فالشركات العمومية أفضل منهج استثماري للدولة حاليا، لردع الطامعين على حساب المواطن.