مزاعم تورط آسانج في جرائم جنسية تشعل حرباً معلوماتية وصلت الحرب السياسية والتكنولوجية المندلعة حول ويكيليكس إلى مرحلة جديدة بعد توقيف آسانج، فمنذ أن وُجِّهَت الاتهامات في البداية إلى جوليان آسانج، مؤسس موقع ويكيليكس، بارتكابه جرائم جنسية بحق امرأتين سويديتين أوت الماضي، ومحاموه يؤكدون براءته، ويرفضون تلك الإدعاءات التي توجه إليه في هذا الشأن وينظرون إليها على أنها ادعاءات خبيثة، أو ملفقة، أو جزء من مؤامرة ذات طابع سياسي. ومع هذا، يرى منتقدوه أن تهم الاغتصاب هذه لا تقارن بما يصفونها بجرائمه الأخرى، التي تتضمن اتهامه بالتجسس، والتي دعت بسببها شخصيات سياسية في الولاياتالمتحدة إلى إعدامه. لكن إن كانت الزوبعة التي أثارها ويكيليكس أخيراً قد بدت شرسة في حدتها حتى الآن، فإن حقيقة أن آسانج محتجز في السجن بتهمة الاغتصاب تعني أن الحروب السياسية والتكنولوجية والأخلاقية والثقافية التي ظلت مندلعة على مدار عدة أشهر حول الموقع قد وصلت إلى منطقة جديدة من النقد اللاذع، التي أصبحت فيها نظريات المؤامرة، والقذف، وكراهية النساء أمراً محورياً للنقاش مثل المبادئ رفيعة التفكير للعدالة أو حرية المعلومات. وبالتأكيد هناك البعض، ليس فقط في الفريق القانوني الأسترالي، ممن يقولون إن تهمة اغتصاب أساسها تفاصيل المزاعم في المجال العام - حيث أثيرت بعض منها من قِبل السيدات أنفسهن - سيكون من المستبعد جداً أن تصل إلى القضاء في هذا البلد. في حين يعترض آخرون على ذلك، حتى هؤلاء الذين يدعمون آسانج أو مبدأ حرية التعبير يجب أن يتركوا القانون يتخذ قراراته بشأن الإتهامات الجنائية الخطيرة. وقد وجدت السيدتان اللتان تزعمان أنهما ضحايا لجرائم جنسية حقيقية نفسيهما أطرافاً رئيسة في مسلسل تبادل شتائم يطال السمعة بصورة قبيحة للغاية. وقد تم تحديد هويتيهما في الأوراق المتعلقة بالقضية بالآنسة A والآنسة W، حيث سرعان ما تم تداول هويتيهما على نطاق واسع عبر شبكة الأنترنت بعد تعرضهما لتلك الاعتداءات. ومع اعتقال آسانج، أعلنت بعض المواقع على الأنترنت عن تخصيصها مساحات للحديث عن السيدتين، متعهدين في الوقت ذاته بأن يحشدوا جيشاً من المساعدين البحثيين البارعين في أمور التكنولوجيا والمهرة في نبش معلومات ربما كان يأمل آخرون في إبقائها مخفية، في خطوة وصفها أحد المدونين ب"حرب المعلومات العالمية الأولى". وفي هذا السياق، أبرز تقرير نشرته أمس في هذا السياق صحيفة "الغارديان" البريطانية حقيقة حالة الجدل والاهتمام الإعلامي الكبير من جانب كثيرين بقضية الإغتصاب التي تُشِر التقارير إلى تورط آسانج بها. وأوضحت في هذا الشأن أن مدونين حزبيين اضطروا أن يبحثوا وينشروا رسائل "تويت" حُذِفت من قبل وكانت واحدة من السيدتين قد قامت بإرسالها خلال تواجدها في حفلة مع آسانج، ونشروا كذلك تفاصيل رسائل نصية أرسلتها السيدة الأخرى التي تعرف بالآنسة W بعد مقابلتها الجنسية مع آسانج، وتدوينات تحدثت فيها الآنسة A عن آرائها وتوقعاتها السياسية، وأيضاً وثيقة كتبتها الضحية نفسها تحت عنوان "7 خطوات للانتقام القانوني". وتعتبر هذه الأشياء، وفقاً لما ذكرته "الغارديان"، جزءاً من قصة مقيتة ومقلقة، تم الكشف عن كثير من تفاصيلها على الملأ بفضل تسريب حدث من جانب الشرطة السويدية ومقابلة أجرتها الآنسة A مع صحيفة سويدية. وبعيداً عن حقيقة ما حصل بين السيدتين وآسانج، وفقاً لما ورد في اعترافاتهما مع الشرطة، فقد أكدت الصحيفة أن ما سيحدث بعد ذلك سيكون موضوعاً ذا صلة بأية إجراءات قانونية. وقالت الصحيفة إن الاتهامات التي جرى توجيهها إلى آسانج قد تم تسريبها إلى الصحافة بعد فترة وجيزة من إجراء الآنسة A مقابلة مع صحيفة "أفتونبلاديت" السويدية، وقالت فيها: "إن مسؤولية ما حصل لي وللفتاة الأخرى تقع على عاتق ذلك الرجل الذي توجد لديه مشكلات متعلقة بمواقفه من المرأة". ومضت الصحيفة تقول في هذا السياق إن محكمة سويدية قد تدعى لكي تفصل في وقائع هذه القضية في الوقت المناسب؛ لكن هذا لم يحول دون تعرض سمعة الفتاتين لهجوم ضار بشكل غير مسبوق. بعدها، بررت الصحيفة دخول مفترضي نظريات المؤامرة والمدافعين عن آسانج في القضية بما اعتبروها بمثابة الشواهد الدالة على أن الآنسة A ليست بالشخصية السوية، وقالوا إنها عملت في السفارة السويدية بالولاياتالمتحدة، وكتبت أطروحتها الجامعية عام 2007 عن تصورها لدولة كوبا بعد وفاة الرئيس فيدل كاسترو. وهو ما أدى إلى انتشار مزاعم واسعة النطاق تتحدث عن كونها عميلة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وأنها قد زُرِعَت كمصيدة من أجل الإيقاع بآسانج. وأوضحت الصحيفة ختاماً أن المدافعين عن آسانج كانوا عرضة لهجوم إعلامي وإلكتروني شديد، وهو الهجوم الذي ازدادت حدته مع الإعلان عن اعتقال آسانج بتهمة الاغتصاب. وإلى أن يظهر آسانج مجدداً في المحكمة يوم الرابع عشر من الشهر الجاري، فإن الرؤية لا تزال غير واضحة المعالم بشأن المستقبل الذي ينتظر آسانج وموقعه.