فقدت الساحة الإعلامية الوطنية الخميس الماضي أحد أبرز صانعي الصحافة المستقلة، ويتعلق الأمر بالمرحوم عثمان سناجقي، رئيس تحرير الزميلة يومية "الخبر" عن عمر يناهز 51 سنة، بعد مضاعفات صحية بمستشفى بني مسوس. وقد شيع جثمان الفقيد إلى مثواه الأخير بمقبرة أولاد العربي ببلدية خميس الخشنة، مسقط رأسه، في جو مهيب، وبحضور كثيف للأسرة الإعلامية، وزراء يتقدمهم وزير العمل الطيب لوح، ووزير التكوين المهني الهادي خالدي، بالإضافة إلى السلطات العسكرية يتقدمهم اللواء المتقاعد خالد نزار، إلى جانب الأمين العام للمركزية النقابية عبد المجيد سيدي السعيد، وبرلمانين من الغرفتين، ووجوه رياضية والعديد من أصدقاء ورفقاء المرحوم في الحياة المهنية والأكاديمية والاجتماعية. ويعتبر الفقيد من أبرز الصحفيين والمسيرين الذين نجحوا في مهامهم، وتسجيل قيمة مضافة يعترف له بها الجميع، بفضل الحرص على البذل والعطاء من مختلف المواقع التي عمل منها، حيث بدأ مهنة المتاعب في يومية "الشعب"، التي التحق بها في 1985، بعد مسابقة وطنية جرت بمقر "الشعب" في شارع موريس أودان، شارك فيها العشرات من المتخرجين المترشحين، حيث انتقل إلى الحياة العملية من بابها الواسع بعد نجاحات أخرى حققها في حياته الأكاديمية، فقد كان من الطلبة النجباء بثانوية ابن تومرت العريقة ببوفاريك، التي كانت تضم طلبة كل منطقة الوسط، إلى جانب ثانوية ابن رشد بالبليدة، ثم معهد العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالعاصمة، حيث نشط في القسم الوطني السياسي بالجريدة، وعرف حينئذ بدفاعه المستميت عن القضايا العربية إلى حد التزلف، واهتمامه بقضايا المواطن البسيط، لأنه واحد منهم، وهي الحقيقة والقناعة التي ظلت تلازمه إلى أن وافته المنية. وبعد إقرار التعددية الإعلامية والسياسية تطبيقا للتعديلات والتغييرات العميقة التي حملها دستور 1989، أسس المرحوم عثمان سناجقي رفقة مجموعة من صحفيين شباب جريدة "الخبر" في نوفمبر 1990، في حين اختار آخرون إنشاء جريدة "السلام"، وكانا عنوانين كبيران دشنا التعددية الإعلامية والسياسية وحرية التعبير، إلى جانب عناوين باللغة الفرنسية، وقد عرف المولود الإعلامي الجديد عدة صعوبات في سنواته الأولى، إلا أن إصرار مؤسسيه وإعلامييه، مكنه من الاستمرار والذهاب بعيدا في معركته الإعلامية والديمقراطية، حيث لم يخب وهج المشعل بعد اغتيال عمر أورتيلان، وواصل عثمان سناجقي حمله ابتداء من 1995 مع رفقاء مهنة المتاعب. ترك الفقيد، الذي عرف بطيبة قلبه ومواقفه الوطنية وتفانيه في العمل، بصمة كبيرة في يومية "الخبر"، ونضالاتها من أجل الاحترافية والحفاظ على مكاسب حرية التعبير والممارسة الديمقراطية بكل معانيها، والتأسيس لعمل إعلامي مهني مسؤول، ما جعل "الخبر" أشبه بمؤسسة أو مرجع تقاس من خلاله درجة حرارة حرية الصحافة والتعبير عموما، كما يعود له الفضل في بروز العديد من الأقلام الشابة بها، التي وجدت فيه قدوة، في الاستماتة المهنية، من خلال الحضور المبكر والخروج المتأخر من الجريدة، إذ كان يهندس أخبار العدد، وينتقي الأهم منها، ويوجه تناولها الإعلامي بحنكة وحس إعلامي ومدني رفيع، ويلاحق الخبر حيثما كان، ما جعل الخبر عنوانا للأنفراد والثقة، والاهتمام بمعاناة الجزائر العميقة، مكرسا شعار "الخبر" الكبير "الصدق والمصداقية"، رغم إكراهات الزمان والمكان. رحم الله فقيد الأسرة الإعلامية وأسكنه فسيح جنانه وألهم ذويه جميل الصبر والسلوان.