استقبلت الأوساط السياسية قرار رفع حالة الطوارئ بكثير من الترحيب، خاصة وأنها كانت مطلبا سياسيا لكافة الحساسيات السياسية بصور متفاوتة. وإن كان رفع حالة الطوارئ التي تطبقها الجزائر منذ 19 سنة إثر وقف المسار الانتخابي، مطلبا شعبيا، بقدر ما كانت مطلبا سياسيا، ضيقت على عمل الأحزاب، ومنعت بسببها المسيرات الشعبية والتجمعات. قرار الرئيس هذا فوت الفرصة على الحراك السياسي الذي بدأ يعرفه الشارع الجزائري، خاصة بعد دعوة بعض الحقوقيين إلى تنظيم مسيرة الأسبوع المقبل للمطالبة برفع حالة الطوارئ، وكانت بمثابة استباق للأحداث، مثلما أفرغ الأفكار التي طرحها بن بيتور في بيانه من محتواها المتعلق بفتح المجال الإعلامي وبرفع حالة الطوارئ. المفارقة أننا لم نبلغ من طرف مجلس وزراء أو حكومة أو أية هيئة رسمية بقرار غلق المجال الإعلامي رسميا، وبالتالي جاء قرار حله أمام الأحزاب والتنظيمات، الذي أعلن عنه أمس غريبا ونشازا وإن لقي هو الآخر الترحيب، لأنه لا يمكن أن تبقى وسائل الإعلام الثقيلة مغلقة أمام الجزائريين في الوقت الذي تمطر فيه وسائل الإعلام الأجنبية بمختلف مشاربها وتوجهاتها وأجنداتها بلادنا بإعلام موجه، لا يلبي تطلعات الجزائريين، مواطنين وطبقات سياسية. لكن، هل سيتبع قرار فتح المجال الإعلامي هذا، قرار بتحرير المجال السمعي البصري الذي قال مرة الرئيس بوتفليقة إنه لن يعيد تجربة الصحافة المستقلة وتحرير المجال السمعي البصري لن يكون وحالة الطوارئ قائمة، وها هي حالة الطوارئ سترفع بعد أيام، فهل قرار مجلس الوزراء المقبل سيتضمن هذه البشرى؟ ثم ماذا عن قضايا الفساد التي سبق وأسس الرئيس من أجلها مرصدا وطنيا لمكافحة الفساد؟ فنحن لحد الساعة ننتظر محاكمات جريئة لقضايا مثل قضية سوناطراك أو الطريق السيار أو غيرهما. ويبدو أن الحديث عن مكافحة الفساد بالإضافة إلى قانون الصفقات العمومية جعلت الكثير من المسيرين يغلقون الأبواب على أنفسهم ويتخوفون من القيام بأية مبادرة، الشيء الذي أدى إلى انسداد المجال الاقتصادي وجمود أثر على مشاريع الرئيس الكبرى، وعلى المخطط الخماسي الذي دخل سنته الثانية ولم ينطلق بعد، لأن امتصاص الغضب الاجتماعي الذي تتخوف منه الحكومة وتحرير المواطن من قلقه وقنوطه الذي تحدث عنه الرئيس في مجلس الوزراء وقال إنه كان وراء الاحتجاجات الأخيرة، لن يتحقق إلا بتفعيل الحركة الاقتصادية بكل قطاعاتها. فالبلاد صارت مضحكة من الجميع، لأنه من غير المعقول أن تكون خزائن البلاد ممتلئة بالملايير، ويعيش مواطنوها أزمات خانقة! إيجابيات قرار مجلس الوزراء كثيرة، أهمها أنها جنبت البلاد مخاطر انفجار كالذي عاشته تونس وتعيشه مصر، لكن الأهم من هذا كله أن تكون في مأمن من أي انفجار في المستقبل وهذا لن يتأتى إلا بتفعيل الاقتصاد الوطني وبامتصاص مشكل البطالة، والقضاء على أزمة السكن وحل مشاكل الصحة والمنظومة التربوية.