تحولت العجلات المطاطية والمتاريس هذه الأيام إلى لغة يستعملها الزاولية كورقة رابحة للضغط على المسؤولين على اختلاف مستوياتهم لإسماع انشغالاتهم التي تبقى مع ذلك عالقة إلى إشعار آخر، حيث أصبح الشارع لغة الحوار بين المواطنين والمسؤولين 34 ألف شرطي يطوقون العاصمة وقد تطورت مؤشرات الاحتجاجات بالجزائر ليصبح البنزين وقود أي حركة احتجاجية باعتباره عملة نادرة باتت تخيف أي مسؤول وأصدق إنباء من آلاف الشكاوى، فيكفي أن يتسلل أحد المقهورين إلى أعلى مبنى مقرات المديريات المعنية، حتى ترى ذلك المسؤول يهرول إلى مكان الحادث، أما الأسباب فتعود عموما إلى تردي الأوضاع المعيشية أو عدم الحصول على منصب عمل أو سكن بسبب تزايد معدل المحاباة والرشوة والحڤرة والتهميش، وقد اختلفت أشكال التعبير عن الغضب الشعبي الذي يجتاح مختلف ولايات الوطن، إلا أن الشعارات تبقى موحدة لتنحية الأميار وتغيير النظام، فهل ذلك يعني فشل المسؤولين في احتواء الأوضاع؟ وما هي الأسباب الحقيقية وراء تطور الاحتجاجات لدولة البترول بعد أن كانت تقتصر على لغة المتاريس؟ الشارع.. فضاء للتعبير ومخاطبة المسؤولين توالت الاحتجاجات وزاد الغضب الشعبي، وعلى وتيرة واحدة وفي شق واحد متفق عليه من أقصى الشرق إلى شماله، وإن اختلفت الأماكن والمناطق في أي حركة احتجاجية، غير أنها تشترك في مبررات العنف الشعبي الذي ميز مختلف ولايات الوطن والتي عرفت بدورها اعتصامات وقطع للطرقات الوطنية والولائية، استعملت فيها المتاريس وحرق العجلات المطاطية، وصلت إلى حد التشابك مع رجال الأمن وتوقيف المحتجين وإصدار أحكام بالإدانة ضد بعضهم بالرغم من اتخاذ السلطات لإجراءات عقابية في حق المتظاهرين في العديد من المناطق، إلا أن ذلك لم يمنع المواطنين من الخروج مجددا للشوارع بعد أن أغلقت في وجوههم كل طرق الحوار بعد أن التزمت الجهات المعنية الصمت ولم تحمل نفسها عناء لتنقل لمعاينة الأوضاع الصعبة، علما أن الشغل والسكن في مقدمة مطالب سكان مختلف الولايات، خاصة منها الشرقية مثل عنابةقسنطينة والطارف وحتى ولايات الجنوب مثل بسكرة، ليتحول فتيل الاحتجاجات بالعاصمة وضواحيها إلى قطاعات أخرى مثل قطاع التعليم. والتربية وحتى قطاع الصحة مثلما حدث في عيادة الأمومة والطفولة ببرج بوعريريج، وحتى الوحدات الصناعية لم تنج من الغضب الشعبي، بعد احتجاج عمال مصنع الفلين بالقل والولجة بسكيكدة تنديدا بتأخر مستحقاتهم المالية. البنزين.. العملة النادرة لتحقيق مطالب “الغلابة” لم تعد المتاريس وإشعال العجلات المطاطية لغة حوار لإقناع المسؤول بالنظر في احتياجات البسطاء، بل تطورت إلى منحنى آخر، حيث أصبح عود الثقاب والبنزين يلازمان الزوالي في التعبير عن غضبه بدلا من الإبحار عبر قوارب الموت والانتحار جماعيا في عرض السواحل الجزائرية والانتحار حرقا بالبنزين ظهر بصورة مفاجئة بعد حادثة 2005 لما أقدم شاب من الجلفة بحرق نفسه أمام مبنى دار الصحافة بسبب درجة التذمر الكبيرة التي وصل إليا، ليفقد حياته بعد يومين من الحادثة التي تم احتواؤها حتى لا تصل إلى أسماع الصحافة الدولية، لكن وبشكل مفاجئ عادت الظاهرة بثوب جديد ومغاير لتلك الحادثة، حيث سجلت الجزائر في بداية سنة 2011 أكثر من 30 محاولة انتحار حرقا بالبنزين فيما تم إحصاء أكثر من أربعة أشخاص كانوا قد ماتوا بعد الانتحار بالبنزين يتقدمهم الضحية بوطرفيف الذي فقد حياته بمستشفى الرازي بعنابة رغم محاولة الأطباء إنقاذه. وإلى حد كتابة هذه الأسطر لاتزال الظاهرة البوعزيزية تهدد كيان المجتمع الجزائري بعد أن وجد مسؤوليه صعوبة في احتواء الوضع قبل تأزمه. احتجاجات عنابة تتحول إلى حرب عصابات بين سكان الأحياء تبقى منطقة عنابة بالجهة الشرقية للبلاد بمثابة النقطة السوداء لدى السلطات الولائية التي ارتبطت باحتجاجات طالبي الشغل والسكن، حيث يعمد شباب الأحياء الشعبية إلى الدخول في اشتباكات عنيفة مع قوات مكافحة الشغب التي فشلت في تفريق المتجمهرين حيث شهدت منطقة سيدي عمار ليلة الأربعاء إلى الخميس ليلة بيضاء بعد المشادات العنيفة التي وقعت بين سكان الأحياء بسبب الظفر بعقود التشغيل، حيث سجلت الحادثة إصابة 10 أشخاص بجروح خطيرة فيما تم اعتقال العشرات من الشباب لتورطه في عمليات الشغب واستعمال السيوف والخناجر لتحقيق مطالبهم في قطاعات السكن والتشغيل، علما أن لغة السلاح الابيض اجتاحت الإقامات الجامعية. حتى الفتيات أصبحن يستعملن الخناجر في الطوابير الطويلة للظفر بوجبة عشاء باردة وغير مغذية. المير في قفص الاتهام والداخلية تبرر الواقع الأسود بغياب الاحترافية تحول المير إلى امبراطور في البلدية، لا يبرح مكتبه إلا بدعوة من الوالي أو رئيس الدائرة، خشية ملاقاة المواطنين عند بابه، وصار الزوالي يبحث عن وساطة لملاقاة المير من أجل تحقيق أدنى المطالب. ففي الوقت الذي يشكو فيه المنتخبون داخل مجالسهم من الحساسية المفرطة في التعامل مع بعضهم إلى درجة نصب الكمائن وإثارة الدسائس والفتن، لا يجد المواطن من تفسير سوى نعتهم بأقبح الصفات، لأنهم أميار دون المستوى، لا يفقهون حتى انشغالات مواطنيهم ولايعرفون حاجياتهم وصار المواطن يترقب كارثة في بلديته حتى يرى المير لأن هذا الأخير عود المواطنين على عدم الظهور إلا في الكوارث، الأمر الذي أدى إلى تطور مستوى الاحتجاجات وتكرار محاولات الانتحار بشتى الوسائل تنديدا بالحڤرة والتهميش واللامبالاة لأن الانتحار، حسب بعض المحتجين، أصدق أنباء من آلاف الشكاوى التي باتت لا تساير الموضة والأمر من هذا غير عشرات المتظاهرين وجهتهم وأملهم الأكبر لقاء الوالي بعد أن يكون المسؤول الأكبر عندهم، الرابح الأكبر في هذه اللعبة هو المير الذي يستغل غليان الشغب والفوضى لتدبير صفقات العمر مع المقاولين خاصة إذا كان جدول أعمال البلديات مشبعا بالمشاريع الضخمة، يحدث هذا في وقت فشلت قرارات وزير الداخلية، دحو ولد قابلية في امتصاص غضب الشعب من خلال تنصيب خلية إصغاء بكل ولاية، إلا أن المستوى الضعيف للأميار زاد الأوضاع تعقيدا دون الإفراج عن مطالب المحتجين. وحسب ولد قابلية، فإن فتيل الإحتجاجات بالجزائر مرتبط بفقدان السيطرة على الوضع أمام غياب احترافية المير الذي يجهل البرامج التنموية وآخر دون المستوى. 34 ألف شرطي لاحتواء الإحتجاجات بالجزائر أكدت مصادر أمنية ل “الفجر” أنه تم تسخير أكثر من 34 ألف شرطي لتطويق مقرات الدوائر والبلديات والولايات وحتى مديريات التشغيل والسكن تحسبا لأي انفلات أمني أو محاولات تخريب يمكن أن تحدث بالبؤر السوداء. وحسب ذات المصادر، فإن ولايات العاصمة، عنابة وسطيف وبومرداس تتصدر قوائم المناطق الأكثر تضررا من الإحتجاجات الأخيرة؛ حيث تم التركيز عليها خلال عملية التوزيع لعناصر الأمن وذلك على اعتبار أن الإحتجاجات الأخيرة تمهيدا لمسيرة اليوم والتي جند لها حوالي 34 ألف شرطي لتأمين العاصمة من أي انفجار في الأوضاع. وفي سياق آخر تم الإفراج عن نسبة 80٪ من الشباب المعتقلين أو الذين تورطوا في عمليات الشغب والتجمهر غير المرخص. مسيرة اليوم أكبر تحد قرر الأسبوع الماضي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رفع حالة الطوارئ بعد موجة من الإحتجاجات التي اجتاحت ولايات الوطن وحولت مناطق أخرى إلى بؤر لاتعرف الاستقرار إلا أن ذلك لم يحرك دواليب الحكم إلا بعد إعلان بوتفليقة الذي كلف الحكومة بالشروع فورا في صياغة قانون لإلغاء حالة الطوارئ لكنه أبقى على حظر المسيرات في العاصمة لأسباب قال إن لها صلة بالنظام وليس بقمع الحريات. يحدث هذا في وقت لم يتم فيه الترخيص لمسيرة اليوم؛ حيث من المنتظر أن تخرج الحركات الجمعوية والنقابات والمعارضين إلى شوارع العاصمة لتنظيم مسيرة أقل ما يقال عنها سلمية. بوشاشي: الغضب الشعبي لم يتمخص عن مسيرة اليوم قال رئيس رابطة حقوق الإنسان، مصطفى بوشاشي، إن الغضب الشعبي والمتاريس والعجلات المطاطية المشتعلة أمام صصم الإدارة ليست لها علاقة بمسيرة اليوم ولا يوجد أي “تخلاط” سياسي أو أي فتنة لتحريض الشعب على تصعيد الإحتجاجات وإنما هذا تعبير عن الرفض المطلق لنظام الدولة. لأن عمليات الشغب أكبر دليل على عدم الرضى بالواقع المعيش وانتشار الحڤرة والتهميش. وحسب بوشاشي، فإن مسيرة اليوم هي تجمع للقوى الوطنية والمعارضة والمجتمع المدني لكسر جدار الخوف وتحفيز المواطن الجزائر على القيام باحتجاجات سلمية بدلا من اللجوء إلى العجلات والانتحار حرقا. وفي هذا الشأن، يضيف رئيس رابطة حقوق الإنسان، أن أول انتحار حرقا انطلقت مع مواطن من ولاية الجلفة سنة 2005 أمام دار الصحافة تعبيرا عن غضبه من إجحاف الإدارة الجزائرية التي احتوت الوضع قبل وصوله إلى الإعلام الدولي، لتظهر من جديد، حسب بوشاشي، مؤشرات أخرى مغايرة لواقعة 2005 أمام تطور الساحة الإعلامية التي أصبحت تتابع عن كثب تطور الإحتجاجات بالجزائر. وفي سياق متصل، أكد بوشاشي على ضرورة التغيير الجذري للنظام قبل فوات الأوان. بن جديد: الشارع الجزائري تحول إلى آلة محاكاة لتحقيق المطالب أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة عنابة، عبد الحق بن جديد، أن الإحتجاجات بالجزائر لم تعد ترتكز على الطابع العفوي، بل تطورت إلى مسألة محاكاة أخذها المحتجون عن دولة الجوار مثل ثورة الياسمين التي ضربت نظام بن علي في العمق بعد الإطاحة به، كل هذا كان له أثر عميق على الشعوب العربية التي انتهجت آلية الإحتجاجات لاقتلاع النظام الفاسد من جذور. وعليه، يضيف الاستاذ بن جديد أن لغة الشارع تطورت إلى مستويات أخرى ولم تبق الإنتفاضة الشعبية عفوية في المطالبة بالإفراج عن قائمة الإنشغالات اليومية للمواطن والعنف حسب بن جديد له تداعيات أخرى من أجل إيجاد حلول سريعة لمختلف المشاكل الإجتماعية والسياسية. بن بيتور: المحتجون لا يبحثون عن السلطة والمسيرات لتلافي أي انزلاقات فسر رئيس الحكومة الأسبق، أحمد بن بيتور، توطر الإحتجاجات بالجزائر إلى انسداد قنوات الحوار أمام الشباب الذين بلغوا ذروة اليأس أمام تقلص دائرة الآفاق في ظل غياب تصورات حقيقية لتعزيز الظروف المعيشية وتحسين مؤشر الحياة. وحسب بن بيتور فإن الشعب لا يبحث في الوقت الراهن عن السلطة بل يطالب برحيلها من أجل التغيير الجذري في النظام السياسي. وفي سياق متصل، أكد المتحدث على ضرورة احتواء الوضع قبل فوات الأوان لأن غضب الشارع الجزائري تحول إلى عنف والإقبال العشوائي على الانتحار الجماعي بعد أن كانت هذه الظاهرة تقتصر على فئة الحراقة الذين يركبون قوارب الموت للإبحار نحو الضفة الأخرى والبحث عن جزيرة الأحلام. وكان بإمكان السلطة احتواء ظاهرة الانتحار التي بدأت في عرض السواحل الجزائرية قبل أن تتحول إلى لغة الشوارع وتأخذ منعرجا آخر أمام مسؤولي الدولة. وفي سياق اخر، لم يوافق بن بيتور على قرارات بوتفليقة الداعية إلى رفع حالة الطوارئ قبل الإستجابة للمطالب الشعبية مقابل وضع اجراءات ستخلق الهوة والمفارقات بين الولايات في إطار التعزيزات بعناصر الشرطة. وعليه، وحسب ذات المتحدث، فإن على الحكومة ترخيص المسيرات السلمية تحسبا لأي انزلاق آخر. الشيخ كرزازي: الخطاب المسجدي لم يخلق من رحم التطرف وعلى الحكومة الإفراج عنه لاحتواء الاحتجاجات أكد إمام مسجد عقبة بن نافع، عبد الله كرزازي بعنابة على ضرورة الإفراج عن الخطاب الديني في المساجد لامتصاص الغضب الشعبي والحد من مستويات الإحتجاجات التي عرفت تصعيدا خطيرا بالجزائر، لأن العنف لدى الشباب تولد عنه مؤشرات أخرى مثل الإقبال على الانتحار بالبنزين، يضيف الشيخ كرزازي ل “الفجر” أن الخطاب الديني لم يخلق من رحم التطرف أو جاء لإشعال الفتنة بين المسلمين، بل لتشخيص الأعراض ومعرفة الأسباب الحقيقية للإحتجاجات والإفراج عن مطالب المحتجين بطريقة سلمية وإقناعهم بالتشبث بالعقيدة والإيمان لمسايرة متغيرات الحياة لأن البطالة بالجزائر على وعي بخطورة ما سيقدم عليه، لكن يبقى الوازع الديني غائب لديه.