“لو كنت رئيسًا للجمهورية، ما هي أولى القرارات التي ستتخذها؟ “.. سؤال بسيط ومعقّد في الآن ذاته، أرادت “الفجر” أن تستطلع به آراء المواطنين الجزائريين على بساطتهم وعلى تعقيداتهم أيضا.. إجاباتهم كانت مختلفة ومتباينة بتفاوت مستوياتهم العلمية والمعيشية، والمفارقة في الأمر أننا كنا نظنّ بأن حصادنا من الإجابات سيكون مليئا بالسخرية، لكننا تفاجأنا بجديّة البعض في إجاباتهم، وحتى بحماسة الآخرين وخصوبة خيالهم الذي قادهم في ثوان قليلة إلى كرسي الرئاسة.. تراجع أسهم “مهنة الرئيس” عقب تكرار سيناريو التقاعد الإجباري للحكام ربما كانت إجاباتهم ستكون ذات منحى آخر، لو لم يكن المشهد السياسي والحراك العربي الذي عرفته وتعرفه بعض الدول المجاورة على ما هو عليه الآن في ليبيا، ففي رد على سؤالنا عمّا قد يفعله المرء لو كان رئيسا للبلاد، استقينا أجوبة لمواطنين غلبت عليها نبرة الفكاهة والسخرية الممزوجة بأحاديث عن مصائر رؤساء عرب عمّروا في كراسيهم قبل أن ينتهي بهم الأمر إلى خارج بلدانهم التي انتفضت بها إرادة الشعوب لتغير خريطة منطق ساد العقول لعقود، منطق رسّخ فيه الزعماء مبادئ العظمة والجلال والتوريث، وغابت معه أمارات القسط.. القسط الذي قالت لنا عنه رزيقة صاحبة 26 سنة صحفيّة من البليدة إنها كانت لتعمل على أن يعود ويعمّ بين طبقات مجتمعنا، لو كانت “رئيسة دولة”. وأضافت محدثتنا “أعتقد أن للعدالة دورا هاما في إحقاق الحق وكنت لأركز اهتمامي على هذا الشق، مع ضمان توزيع عادل للثروات والتركيز على النسيج الاقتصادي والصناعي والفلاحي للبلد”. جواب رزيقة لم يختلف عن تلك الوعود الانتخابية التي تزورنا مع كلّ موسم انتخابي، ولعلّ إجابة منصور وهو صحفي أيضا في إحدى الجرائد الناطقة باللغة الفرنسية كانت أكثر تخصصا حيث يقول:”لا أعرف ما قد أفعله لو كنت رئيسا للجمهورية، لأنه أمر يصعب تخيله وتحقيقه، إلا أن الأكيد أنني كنت لأُقرّ انفتاحا في كل المجالات”. أحلام بسيطة ومشاريع ضخمة محمد خريس - طالب جامعي من عين كرشة - قال “سأتخذ على الفور إجراءات عملية لتقليص نسبة البطالة المستشرية بين الشباب الجزائري سواء المتعلم أو غير المتعلم، لأن في ذلك تحقيقًا للسلم الاجتماعي وستكون له نتائج إيجابية على الوطن والمواطن على حد سواء”، فأكبر معضلة تعاني منها الجزائر على رأي محمد، هي الانتشار الكبير للبطالة وما تخلفه من نتائج سلبية. وهو حال بعض الشباب الذين تحدثنا إليهم في شارع أول ماي بالعاصمة يعانون البطالة وانعدام السكن وغيرها من المشاكل التي دفعتهم للبوح لنا بما يجول بخاطرهم، حيث يقول ياسين وهو شاب يبلغ من العمر 25 سنة بأنه لم يكمل دراسته بسبب وضعيته الاجتماعية المزرية، لذا فإن طموحه لا يصل سقف الرئاسة وإنما ينحصر في الظفر بعمل يقيه شر الزمان على حد تعبيره، بالإضافة إلى سكن راقي، فهو يعيش في قبو رفقة والديه مع خمسة إخوة، وعندما سألناه عن أول شيء يقوم به لو أصبح رئيسا للدولة، أجابنا بابتسامة عريضة “أحقق كل أمنياتي التي حرمت منها”. وفي ذات الإطار، يقول وليد جاب الله - بطال من سيقوس- “لو تحقق هذا الحلم وصرت رئيسًا للجمهورية سأعمل على تشييد وبناء العديد من المصانع العملاقة مثل تلك التي قام بها الراحل هواري بومدين، كمصنع الحجار للحديد والصلب ومصنع سوناكوم ومصنع الصناعات الإلكترونية وغيرها، وذلك من أجل القضاء على البطالة وتشغيل جميع العاطلين عن العمل من شباب الجزائر”. أقضي على الحڤرة وأعدل في توزيع الثروة خير الدين معصم - أستاذ ثانوي من سوق نعمان - أجاب عن السؤال ب:”آه لو كنت رئيسًا للجمهورية، سأعمل المستحيل من أجل تحسين الظروف المعيشية للشعب الجزائري، وذلك من خلال التوزيع العادل لثروات الوطن وما أكثرها، كتخصيص منحة مالية سنوية يتم اقتطاعها من فوائد بيع البترول والغاز الطبيعي لكل فرد جزائري أو لكل عائلة، وتأكدوا أنه لو تم اتخاذ مثل هكذا قرارات تاريخية وثورية فإن حال الجزائر والشعب الجزائري سيكون أفضل آلاف المرات مما هو عليه في الوقت الراهن“. نفس الرأي اشترك فيه نجم الدين وحيد سيليني - محامي لدى المحكمة العليا من عين مليلة - قال “سأقوم بما قام به حكيم الصين الأعظم كونفوشيوس الذي قال إنه لو خيّره شعبه بين الخيارات الثلاث التالية: الغذاء، الأمن أو العدالة الاجتماعية لاخترت العدالة الاجتماعية لأنها ستكون كفيلة بجلب الأمن وتجعل المواطنين يعملون بقصارى جهودهم من أجل تحقيق الغذاء والاكتفاء الذاتي طالما أنه لا فرق بينهم وكلهم سواسية أمام سلطان القانون”. أما عبد الرحمن سيد روحو- إمام بإحدى المساجد - فقال “إن جميع مشاكل الجزائر يمكن اختصارها في عدم المساواة واللاّعدالة بين الجزائريين، هناك مواطنون درجة أولى وآخرون درجة ثانية.. ولو أحس بعض الجزائريين على أرض الواقع في الشمال أن لهم ما لإخوانهم في الجنوب وعليهم ما على أشقائهم في الشرق والغرب، لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، لكان الحال غير الحال”. إلغاء قفة رمضان ومنحة المتمدرسين ! عبد الله هلايلي- صاحب مستثمرة فلاحية - يقول “مباشرة بعد تأديتي اليمين الدستورية عقب انتخابي رئيسًا للجمهورية سأصدر قرارات هامة أولها إلغاء قفة رمضان ومنحة ال3000 دينار جزائري الممنوحة للعائلات المعوزة عن كل تلميذ، لما لهذين الإعانتين الاجتماعيتين الممنوحتين من طرف الحكومة من إهانة لكرامة المواطنين المعنيين، فأنا شخصيًا تؤلمني كثيرًا تلك الطوابير الطويلة لجموع المواطنين الفقراء وتدافعهم للظفر بقفة رمضان التي تحتوي في الغالب على مواد غذائية رديئة ومنتهية الصلاحي. ونفس الأمر يمكن إسقاطه على منحة المتمدرسين، فعلينا أن نعي أن كرامة الإنسان فوق كل اعتبار وأن الجزائري معروف بعزّته وأنفته”. وبالتالي، فالحل في رأي سمير بوليلي -موظف بشركة سونلغاز - يكمن في إصدار قرارات عاجلة في شكل مراسيم رئاسية بتسقيف أسعار أهم المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع كالخبز والحليب والسكر وزيت المائدة واللحوم الحمراء والبيضاء، وبعض الخضر والفواكه وتخفيض أسعار الغاز والكهرباء والضرائب وتحديد راتب شهري للعاطلين عن العمل والعائلات المعوزة، وذات الدخل المحدود. الفلاّح والفلاّح وثمّ الفلاّح رشيد قعصاص - فلاح من أولاد حملة -قال “سأتخذ قرارات هامة في صالح الفلاحين الجزائريين من خلال مسح جميع ديونهم العالقة وتمويلهم بقروض بنكية تنموية دون فوائد لتحفيزهم على تنشيط القطاع الفلاحي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي خاصة في القمح بنوعيه اللين والصلب والشعير وبعض الخضروات والفواكه وبالتالي إعفاء الحكومة من الاستيراد وتقليص فاتورة الواردات، لأن الفلاحة هي المستقبل وعلينا التفكير من الآن في مرحلة ما بعد البترول، فالبترول ثروة زائلة عاجلاً أم آجلاً شئنا أم أبينا”. الزواج و”التقلاش” أجوبة عديدة وقفت عليها “الفجر” وهي تقوم بجولتها الاستطلاعية، ولعل الجواب الذي كرّره أغلب من تحدثتا إليهم، وخاصة فئة الشباب هو الحلم بالزواج والسفر عبر أنحاء العالم. وفي هذا الشأن تقول مجموعة من الشباب تحدثنا إليهم في ولاية تيبازة، ممن لم يسعفهم الحظ بعد لإكمال نصف دينهم، بأنهم يريدون الزواج والعيش برخاء والسفر إلى بعض البلدان الأوروبية. نفس الحال كشف عنه كريم البالغ من العمر 45 سنة يعمل كحارس ليلي في إحدى المؤسسات، وهو المسؤول عن عائلته المتكونة من عشرة أفراد بعد وفاة والده، مضيفا “بأنه لم يستطع أن يتزوج نظرا لظروفه الصعبة، فأول شيء أرغب به لو أصبحت رئيسا هو الزواج والعيش برفاهية”. وهو رأي خالتي سليمة التي قالت لنا إنها ستجعل من تزويج الشبان والفتيات شغلها الشاغل، وهو ما سيقضي على عديد المشاكل التي أفقدت المجتمع الجزائري الكثير من صفاته الحميدة التي كانت تميزه عن غيره. كما تقول حياة 26 سنة ساخرة “أول شيء سأقدم عليه، فتح حساب في سويسرا وأبدأ في جمع المال ثم ألتفت لمطالب الشعب”. أمدد عطلة الأمومة إلى عام مدفوع الأجر... سماح بلريدوح - موظفة بإحدى الوكالات البنكية - قالت “لو حدث وأن صرت في يوم من الأيام رئيسة للجمهورية -رغم أن ذلك أمر أخاله بعيد المنال إن لم يكن من المستحيلات السبع على الأقل في الوقت الراهن- فسأصدر قرارات هامة في صالح المرأة الجزائرية التي لا تزال مهمشة رغم الخدمات الكثيرة التي ما فتئت تقدمها للوطن ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً، ورغم أن هناك قطاعات هامة أصبحت شبه مؤنثة كقطاعي التربية والقضاء، إلا أن المجتمع الجزائري لا يزال ينظر إلى المرأة بعين الريبة والاستهزاء والنظام الجزائري لم يعط للمرأة حقها الكافي”. وفي هذا الصدد تقول أسيا 30 سنة “أول شيء أقوم به هو أن أمدد عطلة الأمومة إلى عام مدفوع الأجر”. المشكلة في الصورة ! وطرحنا السؤال على محمد صاحب كشك بقلب المدينة، فرد علينا ضاحكا “لكي تتم متابعتي ومطاردتي، لا شكرا لا أريد هذا المنصب!” واسترسل محمد بعد أن صال وجال فيما حدث للرئيسين المخلوعين زين العابدين بن علي وحسني مبارك وقريبا القذافي حسب ما يأمل. وبين هذا وذاك يبدو أن مهنة “رئيس جمهورية” قد أضحت غير محببة إلى قلوب من حدثونا، فأسهُم المنصب التي تراجعت بفعل الأحداث الأخيرة، تعكس تخوفا من مسؤولية كبيرة ولكم من يدري فقد تكون ذات المسؤولية من نصيب أي واحد منهم لتتجسد أحلامهم بالتغيير الذي يرتبط بمهنة الرجل والقاضي الأول في البلاد، إلا أن مجرد التفكير فيها -المسؤولية - يجلب صداعا نصفيا للرأس فما بال من يتحمّلها، حسب جيلالي وهو طالب جامعي، والذي قال لنا إن على من يتحمّل منصبا مماثلا أن يذكّر نفسه بالله عز وجل إذا أخذ السماوات والأرض بيديه وقال :(لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فيجيب نفسه بنفسه، فيقول: لله الواحد القهار.