الإذاعة الوطنية (القناة الأولى) هي جزء أساسي من منظومة إذاعية متكاملة يطمح إلى أن تكون فاعلة في الساحة الإعلامية بحضور متميز، وليس رقما عاديا في المعادلة. الرهان على تطوير الإذاعة وإحداث نقلة نوعية في برامجها المختلفة وأدائها بشكل عام يظل هو المحور الأساسي انطلاقا من قناعات تؤمن بوجوب إعادة النظر في كل ما يتصل بطرق التسيير وبالمنتوج الإذاعي في شكله النهائي. ومن هنا يمكن تفهّم التغيير الأخير الذي أحدثه المدير العام للإذاعة الوطنية على مستوى كل القنوات الإذاعية، وذلك بعد مدة من الزمن كانت كافية لأخذ صورة واضحة عن المشهد الإذاعي الذي إرتأى أنه يحتاج إلى ديكور جديد وإلى ديناميكية وحيوية تواكب مسار التحولات الحاصلة في الجزائر وكذلك في المحيط الإقليمي والدولي. وإذا أخذنا القناة الوطنية الأولى كنموذج يمكن القول بأن نسبة انتشارها وتغطيتها لمجموع التراب الوطني ولجزء كبير من العالم وخاصة الوطن العربي تؤهلها لأن تكون رائدة، ولكن المنافسة الإعلامية الضخمة في العالم تفرض عليها الانتقال إلى مستوى أعلى من الأداء من خلال استثمار القدرات والكفاءات الإذاعية بها، ولعلّ هذا ما جعل مديرها الجديد يراهن على عنصر الشباب دون إهمال خزّان الخبرات ويمنح الفرصة لكل من له القدرة على العطاء والمساهمة بفعالية في إعطاء نفَس جديد للقناة على كل المستويات لتكون رائدة فعلا كما كانت دوما. ملامح التغيير قد لا تبدو بشكل واضح الآن ولكن المستقبل كفيل بإظهارها بكل جلاء، لأن عامل الزمن هو الذي سيحدد طبيعة هذا التغيير ويكشف عن نتائجه. وطالما أن هناك إرادة في إضفاء حلّة جديدة على القناة برامجيًا وإخباريًا بقدر كبير من الوعي بنبل المهام المسندة للجيلين الجديد والمخضرم، فإن الكثير من الأهداف المسطرة ستتحقق. تعاقب الأجيال على هذه القناة أعطاها مناعة قوية وظلت تنهل من إرث ثقافي وإعلامي له خصوصيته، وكان لها بمثابة المعين الذي لا ينضب، ومع ذلك فإن الدورة الزمنية توجب على كل جيل التفرّد والتميز والابتعاد ما أمكن عن التقليد والنسخ مع الحفاظ على المرجعيات لتكون حافزا له على التجدّد. ويمكن الإشارة أيضا إلى أن العنصر البارز في هذه التغييرات هو التوزيع العقلاني للمسؤوليات مع تحديد صلاحية كل مسؤول سواء كان ذلك في الأخبار أو الإنتاج وهو ما يعطي فعالية للعمل بصورة دقيقة حتى لا يكون هناك تداخل في الصلاحيات. البعد الآخر المهم في العملية هو المتابعة الدائمة لكل ما ينجز وينتج مع إجراء تقييم دوري لتجنّب الوقوع في الأخطاء من خلال فتح مجال النقاش والحوار على اعتبار أن الهدف المتوخى هو الرقي بالإذاعة وتطوير برامجها بما يضمن صيرورة العمل الجاد القائم على العقلانية في التفكير والمنهجية في الأداء. وإذا أخذنا الحجم الساعي للقناة وطبيعة البرامج التي تقدمها على مدار 24 ساعة والتي تشمل كل الجوانب الثقافية والفنية والترفيهية والرياضية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، فإن هذا التغيير يحتاج إلى تفعيل أعمق وأوسع بما يحقّق مردودية ذات نوعية حتى يشعر المتلقي أيًّا كان مستواه وسنّه بأنه موجود في الخارطة الإذاعية ومعني بالأطباق التي تقدم له.